د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
كما كان متوقعًا، شهرت الصين سلاح المعادن النادرة الحساس والاستراتيجي في وجه الولايات المتحدة الأمريكية عندما أصدر الحزب الشيوعي الصيني مؤخرًا قرارًا قضى بتقييد صادرات العناصر الأرضية، ردًا على الحرب الجمركية التي أعلنها رئيسها دونالد ترامب على بكين على وجه الخصوص.
صحيح أن خطوة بكين صدمت العديد من المراقبين والمحلّلين، لكن أولئك الذين تابعوا حملة الصين المستمرة منذ عقود للهيمنة على صناعة العناصر الأرضية النادرة، لم يفاجئهم ما أقدمت عليه بكين.
أهمية المغناطيسات وانعكاسات هذا القرار على واشنطن وحلفائها
عمليًا، استخدمت بكين ورقة المنع سابقًا. ففي العام 2010، أوقفت صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى اليابان في خضم نزاع على الصيد البحري.
الأكثر أهمية أن بكين هذه المرة أمسكت يد واشنطن من الجزء الأكثر إيلامًا لها، ورغم ذلك يصرّ كثير من المشرعين والسياسيين الأمريكيين على المكابرة والتصرف وكأن القرار الصيني هامشي لا مفاعيل أو آثار سلبية له.
لكن مهلاً، تمثل العناصر الأرضية النادرة واحدة من أكثر نقاط الضعف خطورة في سلاسل التوريد بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، وهذا الأمر بالغ الأهمية على مستوى إنتاج المغناطيسات، التي تُعد بدورها عنصرًا أساسيًا في جميع الأجهزة الإلكترونية المتقدمة تقريبًا.
فالمغناطيسات أكثر من مجرد سلع. فإلى جانب البطاريات وأشباه الموصلات، يُعد هذا المعدن من ركائز الحياة اليومية والأمن القومي. فبينما تُخزن البطاريات الطاقة، وتوصل أشباه الموصلات الكهرباء، تُحوّل المغناطيسات الكهرباء إلى حركة.
زد على ذلك، تُشكّل المغناطيسات العمود الفقري للمحرّكات والمولدات وأجهزة الاستشعار والمشغلات، وهي مكونات تُشغّل جميع الأجهزة الإلكترونية المتقدمة تقريبًا، بدءًا من الهواتف المحمولة والروبوتات ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى مصانع انتاج أشباه الموصلات، والأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، وجميع المنصات العسكرية تقريبًا.
ضع في اعتبارك أنه بدون مغناطيسات الأتربة النادرة، وخصوصًا مغناطيسات النيوديميوم والحديد والبورون (خفيفة الوزن والمقاومة للحرارة)، ستكون جميع التقنيات التي تعتمد عليها الولايات المتحدة تقريبًا غير صالحة للتشغيل.
وما علاقة الصين بالأتربة النادرة؟
علميًا، تُسيطر الصين على إمدادات مغناطيسات الأتربة النادرة للولايات المتحدة، وكما هو واضح اليوم، يمكن للصين، من خلال ضوابط تصديرية منفردة، إغلاق جميع خطوط الإنتاج الدفاعية والتجارية الأمريكية الحيوية تقريبًا.
أما سبب ذلك فيعود إلى ارتباط جميع مصنّعي مغناطيسات الأتربة النادرة تقريبًا في العالم بالصين من خلال ملكياتهم أو فروعهم التابعة، أو اعتمادهم عليها في الحصول على المواد أو المعدات.
هذا يعني أن أسطول السفن والغواصات التابع للبحرية الأمريكية بأكمله، وجميع أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي في البلاد، وجميع الأقمار الصناعية، تعمل على الأرجح بمغناطيسات صنعتها أو استخرجتها الصين.
كما خلصت مجموعة عمل سياسات المعادن الحيوية في تقريرها النهائي الصادر في ديسمبر الماضي، انه يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر في نهجها تجاه سلسلة توريد مغناطيسات المعادن النادرة بأكملها.
الأتربة النادرة والمأزق الأمريكي
في الواقع، تواجه إدارة ترامب معضلة استراتيجية عميقة فيما يتعلق بالاستحواذ الصيني على الأتربة النادرة، خصوصًا وأن الرئيس السابق جو بايدن كان وجّه بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25٪ على مغناطيسات NdFeB الصينية اعتبارًا من العام 2026.
وبالمثل، من المتوقع أن يفرض ترامب تعريفات جمركية إضافية مستهدفة ومستمرة على المغناطيسات الصينية لإيصال رسالة إلى بكين مفادها، بأن إضعاف المصنّعين الأمريكيين لا يُجدي نفعًا.
وبناءً على ذلك، يطالب الخبراء الأمريكيون العاملون في هذا المجال ترامب بتخصيص استثمارات كبيرة لشركات مغناطيس NdFeB المنفصلة تمامًا عن الصين.
في المقابل، ظهرت خلال الأشهر الثامنة عشرة الماضية شركات أمريكية واعدة لتصنيع المغناطيس. وفي السياق ذاته، عُدّ الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب في 20 مارس /اذار الماضي، بشأن التدابير الفورية لزيادة الإنتاج المعدني الأمريكي، خطوة أولى فعّالة. كما يطالب هؤلاء الخبراء الوكالات الحكومية الأمريكية، مثل وزارة الدفاع، بتخصيص التمويل اللازم لتنفيذه.
في المحصّلة
إن السبب الأساسي لتقدم الصين في استثمار واحتكار الأتربة النادرة، يعود إلى افتقاد القوى العاملة الأمريكية في مجال المغناطيس للخبرة اللازمة لبناء معدات التصنيع. ولهذه الغاية، تستورد واشنطن كل قطعة من المعدات تقريبًا من الصين.
من هنا، تطالب الشركات التي ترتبط صناعتها بالأتربة النادرة الصينية، واشنطن بأن تُدرك أهمية هذه الجبهة الجديدة في حرب سلسلة التوريد الصينية؛ فالتهديد برأيهم واضح لا لبس فيه، وما على واشنطن سوى المنافسة والابتكار والفوز.