نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
وجّهت المؤسسات المالية الدولية مراسلات عديدة إلى الحكومة اللبنانية، دعتها فيها إلى تسريع وتيرة الإصلاحات المالية والاقتصادية التي طال انتظارها، معتبرة أن التأخير في اتخاذ الإجراءات اللازمة يفاقم من حجم الأزمة ويقلّص من فرص التعافي.
وتُشدّد هذه الرسائل على ضرورة اعتماد إصلاحات بنيوية شاملة، تشمل ضبط المالية العامة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، فضلاً عن وضع سياسات اقتصادية مستدامة تعيد الثقة إلى الداخل اللبناني وإلى المجتمع الدولي. كما تؤكّد المؤسسات على أن الدعم المالي والفني الدولي يبقى مرهونًا بالتزام لبنان الجاد بتنفيذ خارطة طريق إصلاحية واضحة، تكون بمثابة الأساس لأي خطة إنقاذ مستقبلية.
هذا التلكّؤ يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة: لماذا لم تُقدِم السلطات اللبنانية بعد على تنفيذ إصلاحات واضحة، رغم ضغوط المؤسسات الدولية، وتفاقم تداعيات الأزمة؟ هل تعود الأسباب إلى صراعات داخلية ومصالح متشابكة، أم إلى غياب إرادة سياسية جدية للمعالجة الجذرية؟
من هذا المنطلق، تقول مصادر مطلعة عبر "الأفضل نيوز"، " إن هذه الدعوات المتكرّرة تعكس حجم القلق الدولي من التدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وتُبرز في الوقت ذاته استعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم، شرط توفّر الإرادة السياسية والجدّية في التنفيذ، إلى جانب خطة إصلاح مالي موحّدة تمكّنه من الخروج من أزماته".
وتتابع: "فمنذ انفجار الأزمة الاقتصادية في لبنان أواخر العام 2019، والانهيار المتسارع الذي طال مختلف القطاعات، لا يزال ملف الإصلاح المالي عالقًا في واجهة المشهد السياسي والاقتصادي، من دون أي تقدّم ملموس على أرض الواقع. وفي قلب هذا الجمود، تبرز مسألة إعادة هيكلة القطاع المصرفي كأحد الملفات الأكثر إصراراً، ولكنها في الوقت ذاته الأكثر مراوغة وتأجيلاً".
وعن الأسباب التي تؤخر تنفيذ خطة الإصلاح المالي في لبنان، ترى المصادر أنها" تعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة. في مقدّمتها الانقسام السياسي الحاد، الذي يمنع من التوافق على رؤية موحّدة للإصلاح. كذلك، يبرز غياب الإرادة الجدية لدى الطبقة السياسية، التي تتردّد في اتخاذ قرارات قد تمس بمصالحها أو شعبيتها. كما تلعب المصالح الخاصة دورًا أساسيًا في عرقلة الإصلاح، حيث تمارس جهات نافذة من داخل وخارج الدولة ضغوطًا لوقف أو تعديل السياسات بما يخدمها. إلى جانب ذلك، تعاني مؤسسات الدولة من ضعفٍ كبير، يعكسه غياب الكفاءة الإدارية، وانتشار الفساد، وضعف المحاسبة. كل هذا أدى إلى تعطيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ما فاقم الأزمة الاقتصادية والمالية".
ولمواجهة هذه التحديات، تعتبر المصادر نفسها أنه "لا بد من السير في مسارٍ إصلاحي واضح يقوم على مجموعة من الحلول. من خلال تفعيل الإرادة السياسية في تشكيل حكومة مستقلة تتبنّى برنامجاً إصلاحياً شفافاً بعيدًا عن منطق المحاصصة واستعادة ثقة المجتمع الدولي عبر الالتزام الصادق بشروط صندوق النقد الدولي وتقديم خطة واقعية لإعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي. كما ومحاربة الفساد بشكل فعّال عبر إصلاح القضاء وتفعيل هيئات الرقابة والمحاسبة. كما يجب إصلاح القطاع العام وترشيد الإنفاق، وخصوصاً في قطاعات تشكّل عبئاً كبيراً على الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، لا بد من إطلاق خطة اقتصادية شاملة تُعنى بتحفيز القطاعات المنتجة وتوفير فرص العمل، وتفعيل دور المجتمع المدني في الضغط من أجل التغيير وضمان المساءلة".
في المحصلة، يُظهر واقع الأزمة المالية في لبنان أن التأخير في تنفيذ الإصلاحات لم يعد مجرّد حالة مؤقتة، بل أصبح جزءاً من مأزق كبير تعاني منه الدولة اللبنانية على مختلف المستويات.
إن تجاوز هذا الواقع يتطلّب أكثر من مجرّد وعود أو خطط نظرية، بل يستوجب تحركاً فعلياً قائماً على إرادة سياسية صادقة وصلبة، واستعداداً للتضحية بالمصالح الضيّقة من أجل المصالح الكبرى.