نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
لا حل سوى الحل الإسرائيلي. هذا هو المنطق الذي يحكم الشرق الأوسط الآن.
ما توحي به تغريدات السناتور لندسي غراهام بأن المنطقة اكتشفت، أخيراً، وبعد ذلك المسلسل الدموي الطويل، أن الطريق إلى أورشليم هو الطريق إلى الخلاص. أي طريق آخر كمن يطرق على باب جهنم...
لكأن علينا أن نتغاضى عن قول السفير الفرنسي الأسبق رينيه آلا "لبنان ينتج اللبنانيين"، كبلد يتميز بدور أبنائه، لنأخذ بسؤال الشاعر التركي الشهير ناظم حكمت "يا الهي... إلى أين يقودنا هذا الشراع الذي بمائة سارية؟"، حين نكون على ذلك المستوى من التصدع السوسيولوجي، بشقيه السياسي والطائفي، في مرحلة هي الأكثر إثارة للهلع (على الوجود) في تاريخ الجمهورية، الجمهورية الضائعة...
منطق الدولة يقتضي حصرية السلاح. بطبيعة الحال، الدولة التي تستطيع أن تحمي أبناءها، وتحمي أراضيها، لا أن تشرّع الأبواب أمام كل مصاب باللوثة الأمبراطورية أو باللوثة القبلية.
لنوضح أن بداية الدخول في النفق كانت مع توقيع اتفاق القاهرة، عام 1969، مع منظمة التحرير الفلسطينية، ليتحول الجنوب اللبناني إلى مسرح للعبث الثوري، والعبث الدموي، ما مهد للاجتياح الإسرائيليِّ الأول عام 1978، ثم للاجتياح الكبير عام 1982 والذي انتهى باحتلال أول عاصمة عربية.
آنذاك أكد مناحيم بيغن، وآرييل شارون، أن الهدف من "عملية سلامة الجليل" تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير.
هذا ما حصل فعلاً، وتم ترحيل ياسر عرفات وآلاف الفدائيين إلى بلدان عربية بعيدة عن لبنان. لكن الجيش الإسرائيلي بقي على الأرض اللبنانية، بعدما حاولت تل أبيب فرض اتفاق أيار 1983 على لبنان، ما يعني وضعه تحت الوصاية السياسية والعسكرية الإسرائيليّة قبل أن يسقط هذا الاتفاق في العام التالي.
الإسرائيليون بقوا، بعد ذلك 18 عاماً في لبنان. أقاموا حواجز الذل، والابتزاز عند كل أبواب الجنوب، وبدأوا التنكيل بأبناء المدن والقرى، ليتجسد ذلك بإنشاء معتقل الخيام، بكل المواصفات النازية، وحيث وسائل التعذيب، ووسائل القتل فاقت الخيال.
روبرت فيسك وصف المعتقل بأنه أشبه ما يكون بـ"أرخبيل الغولاغ"، وهو المعسكر الذي أقامه جوزف ستالين في سيبيريا والذي أوحى للروائي الروسي الكسندر سولجنتين براويته الشهيرة.
الدولة لم تكن موجودة، لا إبان اجتياح 1978، ولا إبان اجتياح 1982. لا رصاصة واحدة.
أمسكت بيدها قرار مجلس
الأمن رقم 425 الذي يناشد إسرائيل "وقف عملها العسكري ضد السلامة الإقليمية للبنان، والانسحاب الفوري من جميع الأراضي اللبنانية"، لتطرق به الأبواب دون طائل، إلى أن راحت تتكيف تدريجيًّا مع الواقع، وهي التي تعلم أن ما من مرة اكترثت الدولة العبرية بالقرارات، والمواثيق الدولية.
المقاومة هي التي حررت الأرض بالدم. وهناك من يرى أنه كان يقتضي عليها أن تخلع الثياب المرقطة مع خروج آخر جندي إسرائيلي من الجنوب في أيار عام 2000، والعودة إلى الحياة المدنية، كي لا تنزلق إلى الصراعات الجيوسياسية، والاستراتيجية في المنطقة، ولمصلحة أي جهة كانت، لتكون اليوم، ومعها لبنان بأسره، أمام مفترق خطير بالتقاطع بين جنون دونالد ترامب وجنون بنيامين نتنياهو، بتلك الحمولة الإيديولوجية وحتى الماورائية، التي تعتبر أن "أرض الميعاد " تمتد من النيل إلى الفرات، لنرى أن الديبلوماسي الأميركي السابق اليوت أبرامز وهو يهودي، يتحدث استراتيجياً لا إيديولوجياً، عن "الهلال اليهودي" من حدود الصين وحتى ضفاف المتوسط...
بعيداً عن البعد القومي أو الديني لـ"حرب الاسناد"، ثمة خطأ تكتيكي واستراتيجي، قد حصل، لتكون النتيجة تلك السلسلة الطويلة من النكبات، والتي لا تزال مفتوحة على مصراعيها، وحيث بدا جلياً الاختلال الدراماتيكي في موازين القوى، لا سيما في المجال التكنولوجي، وإن كان واضحاً للملأ أن العنصر الأساسي في التفوق، ليس فقط القاذفات والقنابل الأميركية، وإنما أيضاً التعاون الاستخباراتي والتكنولوجي اللامحدود بين واشنطن وتل أبيب.
كان واضحاً أن هناك سيناريو قد تم إعداده في الخفاء، وحتى قبل عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 1923، بتغيير الشرق الأوسط وفق الرؤية (والرؤيا ) التوارتية.
الحلقة الآن , ومع استمرار طوفان الدم في غزة، لتأخذ المفاوضات ذلك المنحى اللولبي الخادع، تتعدى بكثير نزع سلاح "حزب الله"، وهو السلاح الذي فقد الكثير من فاعليته بعد الحرب الأخيرة، إلى النظرة الإسرائيليّة إلى لبنان، وإلى سوريا أيضاً.
كيف يكون لبنان؟ وكيف تكون سوريا؟ بل كيف يكون الشرق الأوسط؟
هذا بعدما كان كلام وزير المالية بسلئيل سموتريتش شديد الوضوح "لا خروج من التلال الخمس، ولا إعمار للبلدات المهدمة في الشريط الحدودي".
إذاً، وعلى الأقل، منطقة عازلة في جنوب لبنان، على غرار المنطقة العازلة في الجنوب السوري حتى لو انتهى الأمر بالبلدين إلى التطبيع الذي من شروطه دولة منزوعة السلاح، وليس فقط منطقة منزوعة السلاح.
لبنان ليس أمام عدو عادي، ولا أمام ظروف عادية. وهذا يجعل من التفكك السياسي والطائفي، العامل الرئيسي والخطير في إظهار لبنان عارياً، ومن دون أي أوراق على الطاولة.
الحل، ونحن أمام الساعة الكبرى. أن تلتقي المواقف والأيدي تحت مظلة الدولة، وفي إطار عهد وضع على كتفيه مسؤولية إخراج البلاد من القاع وعلى كل الصعد. لا انتحار ولا انهيار...
أوراق توماس براك بدت على الطاولة، وكأنها أوراق البوكر. ما في رأس بنيامين نتنياهو، والحاخام الأكبر في البيت الأبيض، أكبر وأخطر بكثير، مما يخطر في بالنا. ذات مرة قال الكاهن الجنوب أفريقي ديزموند توتو "قد توقف الثور الهائج بأن تضع بعض العلف بين أسنانه.
ولكي تحد من جنون الشيطان، عليك أن تضع رأسك بين أسنانه"!!