نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
أثناء زيارة دورية للراحل الكبير الرئيس سليم الحص، سألني عن أحوال البقاع، قلت: "أعتقد أننا وُجدنا هناك لنكون زنوج الجمهورية"، في بلدتي علي النهري لم نكن نحلم بتعبيد الطرقات الى منازلنا، بل أن نستفيق، ذات يوم، وقد نثرت يد خفية _والأفضل أن تكون يد من السماء_الحجارة على تلك الطرقات، كي لا نغوص، ونحن أطفال، في الوحول لدى توجهنا الى المدرسة.
تحدثنا عن ذلك النوع من الساسة الذين يقيمون على كواكب أخرى، ويتعاملون مع "الرعايا" كما الألواح الخشبية. فجأة رأيته يتوقف عند الوزير والنائب السابق "أبو حسين"، عبد الرحيم مراد، قال "هذا الرجل أثار لديّ الدهشة بطريقة كلامه عن معاناة الناس ،وعن آلامهم، لكأنه يمتلك قلباً من اللؤلؤ، الى حد أن عينيه، وحتى قلبه كان يغرورق بالدمع حين يستعيد أمامي واقعة ذات بعد إنساني موجع". في تلك اللحظة ذكّرني بمقالة للكاهن والفيلسوف الفرنسي تيار دو شاردان بعنوان "السياسي و.. ثقافة القلب".
كان عليّ، وأنا أتابع المعاناة الهائلة لطلاب البقاع الذين يطمحون للدراسة الجامعية، أن أكتب عن "ثقافة القلب" لدى "أبو حسين". كيف خطرت لديه ،وحتماً كانت خاطرة قلب، فكرة بناء مؤسسة جامعية رائدة، وذات اختصاصات طليعية، في البقاع دون إغفال البدلات التي تأخذ بالاعتبار الأوضاع المعيشية الضاغطة للطبقات المتوسطة والدنيا في الهيكلية السوسيولوجية للمجتمع البقاعي، على الأرض تحققت أحلام كثيرة، ليدخل ألاف الشبان والشابات الى المستقبل بكفاءات عالية، بدل البقاء في الظل وبآمال محطمة.
بكل معنى الكلمة الجامعة اللبنانية الدولية بدت بمثابة المنارة التي أشاعت (وشعشعت) الأمل في أرجاء البقاع بوجه عام وإن كان البقاع هو الذي يعنينا هنا ولطالما كان ضحية سياسات الإهمال وسياسات اللامبالاة على مدى عقود طويلة من الاستقلال في حين كانت الجامعات تتمركز في العاصمة بيروت دون أي اعتبار لاحتياجات المناطق، حتى اذا ما بادرت الـ L I U بغزو المناطق المنسية، سارعت جامعات أخرى الى محاولة إقامة فروع باختصاصات محددة.
مثلما بدا أن ثقافة القلب التي ترسخت في عائلة "أبو حسين"، لم تلبث هذه الثقافة أن انتقلت الى الوزير السابق والنائب الحالي حسن مراد وهي العدوى الخلاقة التي طالما تمنينا أن تنتقل الى ساسة آخرين يقتصر أداؤهم على اللعب في الطبقات العليا من الدولة، دون الاكتراث بالقاعدة التي تشكل النواة الجوهرية للمجتمع كما للدولة.
بشغف تتبعت النشاطات اليومية لذلك الشاب الديناميكي والمتوقد والمرهف، حتى لتشعر بالمسافة صفر بينه وبين الناس في المنطقة وخارج المنطقة ،حدثوني عن الإحساس بالغبطة الذي يبدو على وجهه كلما فعل شيئاً من أجل أولئك الناس الذين طالما عانوا من التغاضي (المرير) عن احتياجاتهم وعن المقتضيات الأساسية للتعامل مع الحياة دون أن تعنينا تلك القراءة العرجاء من البعض الذي اعتراهم الصدأ وهم في أبراجهم العاجية يتابعون الوزير مراد وهو يصل الليل بالنهار ويصل المنطقة بالأخرى ،دون كلل ليرسم شيئاً من الفرح على محيّا من يحتاجون للفرح، بعدما ملوا من أداء أولئك الذين بمواصفات تماثيل الشمع..
نشاطات في سائر مناحي الحياة، هذا ما تتوق إليه المناطق اللبنانية التي بالحرمان المزمن، كما لو أنها وجدت لتبقى على قارعة الحياة ،أو على قارعة الزمن. استكمال لمهمة الأب بإنشاء فروع للجامعة اللبنانية الدولية في مختلف أنحاء البلاد، انطلاقاً من أكثر المفاهيم وعياً بالديناميات الخاصة بالتنمية الإنسانية ودائماً من الداخل يتفتح العقل، وتفتح القلب، من هنا تولد القامات المنتصبة لمواجهة كل تعرجات الحياة .
ومن البقاع الى الشمال، حيث تم شراء جامعة العزم من الرئيس نجيب ميقاتي، لتغدو "جامعة الشرق". ولطالما كانت الفيحاء في مراحل زاهية من التاريخ نقطة استقطاب للشرق والغرب.
أجل نشاطات عملية وعملانية للإنماء البشري في مواجهة ما كان يدعوها المفكر اللبناني جورج قرم "استراتيجية الحرمان" التي اكتشف رعاتها وفي وقت متأخر مدى تداعياتها في صناعة الأزمات السياسية والاجتماعية وحتى في صناعة الأزمات الحضارية الى أن وصلنا الى ما وصلنا اليه من الخيارات الصعبة وحتى الخيارات المستحيلة.
الاعلام، على أنه الناطق باسم العصر ، لفت الوزير مراد ، فكنا أمام منصة "الأفضل نيوز" التي تمكنت ، وفي مدة قياسية من أن تفرض نفسها كمنصة مؤثرة على الساحة اللبنانية و"منصة الأفضل تي في " وكذلك "صوت الغد الأفضل" ومجلة "القلم الصريح".
توقفنا أمام تلك المبادرة الرائعة بإقامة "مركز الحنان" للأيتام والى حد الاهتمام بالأجداد أيضاً (وكم يلزمنا الوعي بالتراث !) , فكان إنشاء مجمع "بيت جدي" التراثي السياحي إضافة الى "مجمع الواحة" السياحي دون إغفال الجانب الروحي في استراتيجية الانماء بوضع حجر الأساس لـ"المجمع الإسلامي" (أكبر مجمع إسلامي سني في لبنان) كخطوة في اتجاه إقامة دار للفتوى.
وفي سلسلة المشاريع التعليمية وهي المدخل الى المستقبل، إنشاء "معهد البقاع التقني والفني والصناعي". اذ بقدر ما نحتاج الى الأدمغة المميزة نحتاج الى الأيدي المميزة حيث سوق العمل جاهز لاستيعاب هذه الأيدي التي لا بد أن يكون لها دورها الفاعل في التطوير النوعي للانتاج اللبناني على اختلافه.
تذهلك كثافة البنود على أجندة الوزير مراد. إذ أقام مركزاً للإسعاف، تصوروا أن يفكر بإقامة مركز لجرف الثلوج وآخر للاطفاء. يا رجل وأنا الذي عشت التجارب الطويلة والمريرة للبقاع،أ قول ليس البقاع فقط فخوراً بك. لبنان فخور بك. إنها الحقيقة الساطعة تحت الشمس.
وسط تلك الضائقة الاجتماعية والمعيشية الضاغطة افتتاح صيدلية لبيع الأدوية، والمستفدين منها هم حاملي بطاقة الغد الأفضل، مع الاتجاه لفتح استهلاكية بسعر الكلفة أيضاً في كل من البقاع الغربي والبقاع الأوسط على أمل أن يحفز ذلك المسار الإنمائي الفذ، أولئك الساسة على ترك أرائكهم الوثيرة والانتقال الى الناس في ظروفهم الراهنة والتي بمكن أن توصف بالظروف التراجيدية.
إطلالة بانورامية من ذلك البقاع الذي كان في بعض مناطقه مستودعاً لزنوج الجمهورية وها أن واقعاً جديداً وواعداً يتجلى الآن أمامنا. رجل أخذ بثقافة القلب ورسم الفرح على الوجوه. أيها الوزير حسن عبد الرحيم مراد ،تحية لك..