ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
في بيروت مجلس وزراء يقرُّ بالأغلبية خطة تكليف الجيش حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. ومن بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، انتقل قائد الجيش العماد رودولف هيكل لبحث أطر تطوير قدرات الجيش، وبالتأكيد الخطة والآلية التي سيضعها لتنفيذ قرار الحكومة، وما يحتاج إليه من مساعدات، للقيام بالمهام الموكلة إليه، على أن يعود الاثنين إلى بيروت، وينكب بمساعدة معاونيه على إنجاز خطته المبدئية، التي ستبقى في الإطار النظري، في حال عدم تعاون المعنيين في حزب الله.
في كل الأحوال، ومنذ قيام العلاقات بين الجمهورية اللبنانية والولايات المتحدة الأميركية، شكل الجزء العسكري منها مادة جدلية، خصوصا مع دخول المنطقة صراع المحاور منذ الخمسينات واستمرار ذلك حتى يومنا هذا، حيث كانت واشنطن أحد عوامل الجذب للدول الصغرى التي سعت إلى الحصول على حماية ورعاية تلك الدولة الكبرى، في ظل المتغيرات الدراماتيكية الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط .
جدلية وجدت أرضا خصبة لها على الساحة اللبنانية، المنقسمة أساسا حول المحور الأساسي لأزمات المنطقة، القضية الفلسطينية بداية، ومفهوم الحرب ضد الإرهاب، ،وصولا إلى العلاقة مع واشنطن ،في ظل "الازدواجية" الرسمية في التعاطي معها، نتيجة التركيبة الداخلية من جهة والتوازنات الإقليمية والدولية التي تفرض الحاجة اليها في اكثر من ملف ليس آخرها ترسيم الحدود مع إسرائيل.
وفي هذا الإطار يؤكد مصدر وزاري لبناني رافق العلاقات بين البلدين، أن الدولة اللبنانية تميز بين أكثر من مستوى على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث ثمة مجالات تفرض على بيروت نمطا محددا من العلاقة على قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، كما يحصل على صعيد القطاع المصرفي. وإذا كان بالإمكان الحفاظ على هامش مناورة في المجال السياسي، فإن القاعدة نفسها تنطبق على واقع العلاقات العسكرية وظروفها الحاكمة. وهو ما تؤكد عليه أوساط اليرزة، التي تجزم، بأنها لا تتعرض لأي ضغوط أميركية من أي نوع كان، حتى أن المسؤولين العسكريين الأميركيين المكلفين بالتنسيق والتعاون مع الفريق اللبناني لم يفرضوا أي أجندة على اليرزة، أقله حتى الساعة، انطلاقا من الثقة التي تتمتع بها القيادة العسكرية اللبنانية، وحسن أدائها وإدارتها للملفات، وهو ما تجلى في معركة فجر الجرود، والأهم في المعركة ضد الإرهاب، حيث كان للبنان دور فعال في إطار التحالف الذي قام والذي دفع بواشنطن إلى اعتبار الجيش اللبناني شريكا استراتيجيا في تلك المواجهة.
وتشير الأوساط إلى أن ثمة أمور أساسية تحكم العلاقة الأميركية - اللبنانية على الصعيد العسكري، أهمها:
-اعتبار الإدارة الأميركية الجيش اللبناني واحدا من أعمدة الاستقرار الأساسية في البلد إلى جانب القطاع المصرفي، وهو ما يسمعه الزوار اللبنانيون لواشنطن، وتم التأكيد عليه خلال الجولة الأميركية الأخيرة لرئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري للولايات المتحدة ، وهو ما يفسر الاستثمار والأمن والعسكري الضخم لدولة بحجم لبنان، حيث فاق المليار ونصف المليار دولار خلال السنوات الأخيرة.
-الدور المحوري للبنان في سياق الحرب القائمة ضد الإرهاب ،نتيجة موقعه الجغرافي، واجهة بحرية للوصول إلى أوروبا، وتماسه المباشر مع المناطق المشتعلة في سوريا، وتكوينه الاجتماعي خصوصا مع تدفق النازحين السوريين وما شكلوه من بيئات حاضنة إلى جانب المخيمات الفلسطينية للمجموعات الإرهابية.
-النجاحات المتتالية التي حققها الجيش اللبناني في حربه ضد الإرهاب سواء العسكرية مع إنجازه تحرير الأرض من الجماعات الإرهابية في معركة فجر الجرود ، لو الحرب الاستباقية التي أدت إلى حرمان الارهابيين من الموارد المالية واللوجستية وسقوط خلاياه النائمة والمستيقظة التي خططت لعشرات العمليات سواء داخل لبنان أو خارجه.
-إعجاب الأميركيين بالعسكري اللبناني لجهة كفاءته وقوة عزيمته وسرعة استيعابه للعتاد والدروس القتالية، وروح الابداع التي يتحلى بها، من خلال تطوير بعض الأسلحة التي حصل عليها، أو لجهة استخدام القدرة القصوى للأسلحة الأميركية التي سلمت للجيش اللبناني. وفي هذا الإطار فقد سمع قائد الجيش خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية كلاما واضحا عن تقدير الجندي اللبناني وبطولاته.
-الدور الأساسي الذي لعبه قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، طوال الفترة الماضية، حيث كان من أكثر المشجعين لرفع نسبة التعاون بين الجيشين، ومد لبنان بكل ما يحتاج إليه من أسلحة وذخائر تسمح له بتنفيذ المهمات الموكلة إليه، وقد شكل لوبيا مؤثرا داخل الإدارة الأميركية ما سمح للجيش اللبناني بتحصيل الكثير من الحاجات على صعيد السلاح والعتاد والتدريب.
-تاريخية العلاقة ،حيث إنه منذ قيام الدولة اللبنانية كان الخيار الاساسي للحكومات هو التوجه نحو الغرب للحصول على السلاح والتدريب، وبالتالي كانت الولايات المتحدة إحدى أبرز تلك الدول. وبما أن خياار السلطة السياسية لم يتغير حتى الساعة، بناء لمعطيات أبرزها قدرة الجندي اللبناني على التأقلم السريع مع السلاح المحقق والتدريب، كان خيار الجيش اللبناني بالسعي لدى واشنطن للحصول على حاجياته، خصوصا في ظل عامل الوقت الضاغط. وفي هذا الإطار تنفي أوساط اليرزة أن تكون قد تعرضت لأي ضغوط أميركية لجهة منعها من استقدام السلاح من أي دولة أخرى.
-المصلحة الأميركية في الحفاظ على الصداقة والتحالف القائم مع الجمهورية اللبنانية في ظل الصراع الإقليمي والدولي المحتدم في المنطقة، وامكانية لبنان على هذا الصعيد من تحقيق مصالحه في الحفاظ على استقراره وامانه، بما يمكن أن تؤمنه واشنطن بوصفها لاعبا أساسيا من مظلة استقرار يقيه تداعيات الأزمات المشتعلة ومخاطرها.
وتتابع الأوساط بأن قيادة الجيش قد نجحت في الفوز بثقة القيادة الأميركية وهو ما سمح بكسر العوائق التي كانت قائمة سابقا فيما خص الحصول على بعض الاسلحة، فكان القرار الاميركي بتسليم اسلحة نوعية للجيش من مدافع ميدان متطورة مع قذائفها بما فيها القذائف الذكية، عشرات صواريخ ال هيلفاير، طائرات السوبر توكانو المتطورة، مئات الصواريخ المضادة للدروع مع قاذفاتها من نوع تاو٢، ومئات العربات المصفحة من نوع هامفي، وكذلك الآليات المدرعة من نوع برادلي، وطائرات السيسنا، التي احدثت كلها فرقا في تحديث الجيش وتطويره، وكان لها دور اساسي في رفع جهوزيته القتالية وتامير سرعة الحركة لوحداته، وكذلك الدعم الثري.
المصادر الوزارية رأت أن قيادة اليرزة نجحت حتى الساعة في لعب دور الوسط، فهي استطاعت الحصول من الاميركيين على حاجاتها من السلاح والعتاد، بعيدا عن الحسابات السياسية، من جهة، كما أنها نجحت في تطمين كافة الفئات اللبنانيةإلى دورها ومهامها، في ظل الظروف الحالية التي يدركها الجميع، وسط ارتياح في حارة حريك لمسار اليرزة وتعاطيها مع ملف العلاقات الاميركية - اللبنانية ،وما قد ينتج عنه من آثار على الوضع الداخلي اللبناني. وقد تكون قدرة ودهاء العماد جوزاف عون تكمن في تلك النقطة، حيث نجح في أن يمسك العصا من الوسط وفقا لحسابات الجوهرجي.