نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
"من تخدع حين تدّعي أنك في مهمة روحية لإقامة إسرائيل الكبرى؟
تخدعنا نحن اليهود بالذات لأنك تدفعنا، بهذه الدونكيشوتية، إلى مغامرة غيبية، أو إلى مغامرة عدمية، تضعنا على تخوم الهاوية، ما دمت لا تدرك ما هو مفهوم القرن للمعادلات، وللقواعد، وحتى للحظات الفوضوية، التي تحكم العالم".
هذا هو رأي المؤرخ الإسرائيلي، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، آفي شلايم الذي يضيف "كفانا تكديساً للجثث في أرجاء الشرق الأوسط، وإلا سنكون أمام ذلك اليوم الذي تتكدس فيه جثثنا على أرصفة أورشليم"!
مثقفون إسرائيليون يزدادون يقيناً بأن بنيامين نتنياهو، بالشبق اللامتناهي للسلطة، أصيب بالبارانويا، وإلا هل تراه يعرف ما هي حدود إسرائيل الكبرى؟
بكل بساطة، "علينا أن نخلي دولاً من سكانها، إما بالابادة أو بالترحيل، ولكن كيف لنا أن نملأ تلك المساحات الشاسعة، إلا إذا أراد نتنياهو استنساخ عشرات الملايين من اليهود الذين بمواصفات مقاتلي الفايكنغ...".
حتى إن شعار "تغيير الشرق الأوسط" هو شعار فضفاض، بل هو شعار كاريكاتوري "حين نغرق بين رمال، ونيران، غزة، دون أن نتمكن، بالقوة العسكرية الهائلة، الخروج من تلك الحلقة الجهنمية، وحيث لا مجال للحديث عن الحد الأدنى من توازن القوى، وفوق قطعة مسطحة من الأرض، ولا تتعدى مساحتها الـ 364 كيلومتراً مربعاً".
الفرنسي اليهودي جاك لاغاريغ، وهو أستاذ جامعي يسأل ساخراً ما إذا كان زعيم الليكود يراهن على الماشيح في إعادة الحياة إلى الموتى اليهود، أو على الاستعاتة بسكان الكواكب الأخرى، من أجل ملء المساحات الخالية في إسرائيل الكبرى..
نعود إلى آراء مؤرخين، أو أكاديميين، يهود. هؤلاء إذ يلاحظون كيف يتصرف نتنياهو، بلغة المبعوث الشخصي ليهوه، يرون ألاّ مجال البتة لمقارنته بأدولف هتلر الذي كان يستند، وبشكل مطلق، إلى الإمكانات الذاتية لبلاده، خلافاً للدولة العبرية التي تقاتل بالقاذفات، وبالقنابل، وبالأقمار الصناعية، وأيضاً بالأموال، الأميركية، حتى إذا ما حدث أي تغيير في المسار الاستراتيجي للولايات المتحدة، كان على الإسرائيليين أن يعودوا ولكن حفاة، هذه المرة، إلى البلدان التي هاجروا منها.
بالرغم من تلك الأرمادا الألمانية الهائلة، وحيث الفلسفة، وحتى الموسيقى، تقرع الطبول، ذهبت النرجسية بالفوهرر إلى الانتحار هو وعشيقته إيفا براون في أحد الأقبية، في أي قبو ينتهي بنيامين نتنياهو؟
سنتان من الحرب في غزة، تخللتها حرب على لبنان، وحرب على إيران، دون إغفال توغله اليومي في الجنوب السوري، ناهيك عن الغارات الجوية، ليصاب الجيش بالإنهاك وبالارتباك، حتى أن الجنرال يسرائيل زيف يخشى أن "تكون نهايتنا في غزة كما نهاية الأميركيين في فيتنام، أو في أفغانستان، وحيث الخروج الفضائحي تحت جنح الظلام".
هذا مآل أمبراطورية عظمى، بل وأعظم أمبراطورية في التاريخ، أن بالإمكانات الاقتصادية، أو بالإمكانات العسكرية (وحيث التواجد على امتداد الكرة الأرضية)، فكيف بإمبراطورية لا تضاهي مساحتها مساحة ولاية نيوجيرسي التي تحتل المرتبة 47 من حيث المساحة بين الولايات الخمسين. مع الاستناد المطلق إلى الإمدادات العسكرية الأميركية، وإلى التغطية الديبلوماسية لها، وإلى حد التماهي الإيديولوجي والاستراتيجي بين أميركا العظمى وإسرائيل العظمى. هكذا قال جدعون ليفي "لولا أميركا لكان علم "حماس" على قبة الكنيست".
وكان المؤرخ شلومو ساند، مؤلف كتاب "اختراع شعب إسرائيل"، قد توقف، طويلاً، عند هذه النقطة بالذات، ليلاحظ أنه ما من دولة في التاريخ اعتمدت بالكامل، في سياساتها التوسعية (كظاهرة غرائزية تحكم الكائنات البشرية)، على المساعدات الخارجية. هذه دولة أم كوخ من القش؟
ولكن مثلما أصيب أركان الائتلاف (بنيامين نتنياهو، إيتامار بن غفير، بسلئيل سموتريتش) بالعمى العسكري، والعمى الغيبي، وحتى بالعمى التاريخي، لا بد من أن يرتطموا، في نهاية المطاف، بالحائط -الحائط المهدم...
بول كنيدي، صاحب "صعود وسقوط القوى العظمى" لاحظ أنه غالباً ما تكون نهاية الإمبراطوريات على يد إمبراطور أحمق، أو نرجسي. من هنا قول رئيس الحكومة الأسبق ايهود باراك، "أتصور أن نتنياهو، بحماقته، لن يترك العرش إلا وقد زال أي أثر لإسرائيل"!
نتنياهو لا يكترث البتة بكل ما يكتب، ويقال. إنه يقوم، على أفضل وجه، بواجبه التوراتي (الالهي)، إقامة إسرائيل الكبرى بالطريق المفروش بالجماجم الذي يمشي عليه الماشيح المخلص ويحكم العالم.
لكن ما حدث، وما يحدث في غزة، بالأجواء الملحمية التي يسجلها المقاتلون الفلسطينون، يحمل "هاآرتس" على التساؤل ما إذا كان سيبقى هناك مكان لإسرائيل الصغرى..
أين هي إسرائيل، كدولة مصطنعة، وهذا ما تثبته الحقائق اليومية، بين الإمبراطوريات الكبرى. الأصوات تعلو في تل أبيب "هل أن مهمتك الالهية أن تحفر القبور لأبنائنا في غزة" ؟
ناحوم برنياع يعتقد أن نهاية نتنياهو بين الزنزانة والمقبرة. ثمة خيار آخر... المصح العقلي!!