نبيه البرجي_خاص الأفضل نيوز
لبنان بين المطرقة الأميركية والمطرقة الإسرائيلية. "النيويورك تايمز" نقلت عن مسؤول في إدارة دونالد ترامب أن الحكومة اللبنانية أمام "لحظة مفصلية". نزع سلاح "حزب الله" أو وقف الدعم الأميركي والخليجي، ما يعني البقاء على حافة الزوال، ناهيك عن عودة الحرب الإسرائيلية لتكون الضاحية، وربما مناطق أخرى على شاكلة غزة حيث لا بربرية في التاريخ تضاهي البربرية الإسرائيلية وحيث لا بطولة في التاريخ تضاهي البطولة الفلسطينية.
تهديد بعيد عن الضوء "نقل قيادة الحزب الى معتقل غوانتنامو بعد تسليم سلاحه"، لكن الواقع يشي بأن ذلك السلاح لن يستعمل في أي حرب ضد إسرائيل. المقاومة تقتصر فقط على الأرض اللبنانية إذا ما حاولت دبابات إيال زامير الاقتراب من بيروت مثلما اقتربت من دمشق، كما أن المشروع الإيراني بدا مشروعاً وهمياً وواهياً إن على المستوى الجيوسياسي أو على المستوى الجيوستراتيجي. ما جعله ينكفئ كلياً بعدما ظهر مدى الاختلال في موازين القوى. ولطالما كتبنا ألاّ مشروع في المنطقة إلا المشروع الأميركي. كل المشاريع الأخرى بتلك الصراعات العبثية إنما تصب في نهاية المطاف في المصلحة الأميركية.
لا مجال للمقارنة بين النظرة الأميركية الى إسرائيل والنظرة الى الدول العربية قاطبة. في نظر القس جون هاغي رئيس منظمة "مسيحيون من أجل إسرائيل" أن هذه الأخيرة "وديعة الهية". الدفاع عنها هو دفاع عن الله. "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤول أميركي أن نتنياهو "يدرك أن الولايات المتحدة هي السبب الوحيد لوجود إسرائيل ". هي "وديعة أميركية" بقدر ما هي أداة أميركية د.
دون أي لبس، يردد المسؤولون الإسرائيليون أنهم يريدون أن تكون دول الطوق (أي طوق ذاك ؟) منزوعة السلاح . وقد لاحظنا أن الإدارة السورية الجديدة أعلنت أكثر من مرة أن "إسرائيل ليست عدوتنا". بالرغم من ذلك قال لنا مسؤول في هذه الأدارة أنهم استهدفوا بغاراتهم حتى الطناجر في مطابخ الجنود، لنتوقف عند عمليات التوغل اليومي في مناطق مختلفة من الجنوب السوري، وهو بمثابة المعطف الاستراتيجي للعاصمة السورية بعد إلحاق مرتفعات الجولان بالدولة العبرية.
يفترض أن نكون الأوراق العارية في هذا العراء العظيم بعدما كنا قد قرأنا كلاماً لايتامار بن غفير عندما كان يشغل موقعاً رئيسياً في حركة "كاخ" التي أنشأها الحاخام مئير كاهانا "لا يكفي أن نقتلع أظافر العرب بل أن نقطع أيديهم". هذه هي الثقافة التوراتية التي تأمر ببقر بطون النساء وسمل عيون الأطفال والتي وردت فيها نصوص تظهر وحشية ذلك النوع من البشر"ولولي أيتها الأبواب.. اصرخي أيتها المدينة".
قطعاً المسألة لا تقتصر على نزع سلاح "حزب الله"، وإنما نزع سلاح الجيش اللبناني ، أو منع تزويده بأسلحة دفاعية لحماية الأرض، بعدما يستكمل مهمته التي أوكلتها اليه حكومة الرئيس نواف سلام ودون أن يبقى سرأ أن إسرائيل حاولت أكثر من مرة تفجير الصراع بين الطوائف لإعادة تركيب الجمهورية على أساس الكانتونات الطائفية أو الدويلات الطائفية تكون تابعة لها ما استدعى تدخلاً فرنسياً بمؤازرة الفاتيكان للحيلولة دون بعض القوى اللبنانية والانزلاق الى ما دعته صحيفة "الفيغارو" "أبشع الطرق وأقصرها الى الجحيم.
الرئيس جوزف عون يدرك ما في رأس بنيامين نتنياهو الذي أعلن أنه في مهمة روحية، أي إقامة "إسرائيل الكبرى" فوق أنقاض أي دول يفترض أن تقوم هذه الدولة وإن كان معلوماً أن الائتلاف الراهن قد هدد بالضربات النووية على إيران لتقويض النظام ولتقويض الدولة فيها كعامل مهم في تحقيق ذلك المشروع دون أن نغفل النظر بالعين الحمراء الى ما تحققه تركيا في مجال التكنولوجيا العسكرية (طائرات شبحبة، وحاملة طائرات..)؟
المعلق التركي كمال أوزوتوك الذي كان مستشاراً للرئيس رجب أردوغان حذّر أكثر من مرة من البارانويا الإسرائيلية "التي تدق على بابنا" فيما تشير المعلومات أن الرئيس التركي أبلغ أكثر من دولة عضو في حلف الأطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة بأنه لا يستطيع أن يتحمل الى ما لا نهاية ما تفعله إسرائيل على الأرض السورية لنلاحظ أن وسائل الإعلام التابعة لليمين الإسرائيلي باتت تركز على الخطر التركي، ما يستدعي الانتشار في مواقع حساسة من الخارطة السورية ليبقى السؤال "هل يمكن أن تنشب الحرب بين تركيا وإسرائيل التي وضعت الخطط الخاصة بتفكيك الدولة السورية ؟"، وهذا كان حلم آرييل شارون الذي كان قد أدلى بحديث الى الصحافية الاإيطالية أوريانا فالاتشي أثناء اجتياح لبنان عام 1982 قال فيه "إنني قد أكون قد أخطأت باحتلال بيروت فيما الأهم كان احتلال دمشق".
بمنتهى التأني والمسؤولية تمت صياغة قرار مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي بين النار والنار حول الترحيب بخطة الجيش لنزع سلاح "حزب الله". ولكن هل يفهم الأميركيون بوجه خاص خطورة الظروف التي يعيشها لبنان وهي الأشد خطورة منذ أن أعلن الجنرال هنري غورو قيام "دولة لبنان الكبير" في أول أيلول ?1920.
توم براك المبعوث الرئاسي الأميركي برر للإسرائيليين رفضهم خرائط سايكس ـ بيكو لنستعيد كلام وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فدرين أثناء مقابلة أجريتها معه، "الأميركيون لا يرون في الدول العربية سوى قرى الهنود الحمر،وهذا هو السبب في الآلام التي تعاني منها مجتمعاتكم".
في الظل كلام عن أن الأميركيين، وبمساع عربية وفرنسية، بدوا أكثر واقعية في مقاربة الواقع اللبناني ودون أن يبقى خفياً أن الاتصالات لم تنقطع بين بيروت ودمشق مروراً بعين التينة وكذلك بين باريس وواشنطن ليكون قرار مجلس الوزراء في 5 أيلول وكأنه لإطفاء الحرائق التي اندلعت في 5 آب وكانت تهدد بالانفجار الكبير..
لطالما تمنينا أن يدرك الأميركيون في رعايتهم المروعة للجنون الإسرائيلي ولو مرة واحدة أننا كعرب ورثة حضارة نقلت أوروبا من عصر الظلمات الى عصر الأنوار. .