ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
شكل استهداف إسرائيل لقيادات من حركة حماس داخل العاصمة القطرية، تحولاً استراتيجياً غير مسبوق في معادلة الصراع بين تل أبيب ومحور المقاومة؛ فالضربة لم تكن فقط أمنية بحتة، بل حملت في طياتها رسائل سياسية عميقة تتجاوز حدود غزة، لتطال مراكز القرار الإقليمي، وتعيد رسم خطوط الاشتباك الجغرافي والسياسي.
فاختيار الدوحة كمسرح للعملية لا يمكن فصله عن المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، من تطبيع بعض الدول الخليجية مع إسرائيل، إلى تصاعد التوتر الإقليمي عقب الحرب في غزة، وامتداد المواجهة إلى اليمن وسوريا ولبنان. كما أنه يُظهر نية إسرائيلية واضحة في توسيع ساحات المواجهة، وتحدي ما يُعتبر تقليدياً "مناطق آمنة" أو حاضنات سياسية لحركات المقاومة.
يضاف إلى ما تقدم، أن العملية تأتي في لحظة إرباك دولي، وفي ظل حديث أميركي عن تسويات كبرى، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تجهض مبادرات التهدئة، أو تحاول فرض شروطها بالقوة في لعبة إعادة توزيع النفوذ، والأهم، أن الضربة تقوّض الدور الذي لعبته قطر في الفترة كوسيط في المنطقة، وتضعها أمام تحديات جديدة بين "دعمها" السياسي للمحور وعلاقاتها المتشابكة مع واشنطن وتل أبيب.
من هنا، لا يمكن التعامل مع هذه العملية كحدث أمني معزول، بل كحلقة في سلسلة تحولات استراتيجية ستترك بصماتها على موازين القوى في الشرق الأوسط بأسره.
واضح أن العملية الإسرائيلية، شكّلت صدمة استراتيجية على مستوى المنطقة خالقة إرباكا كبيرا، ليس فقط بسبب طبيعة الهدف، بل لجهة الموقع الجغرافي والسياسي للعملية، مع اتساع رقعة المواجهة لتطال قلب دولة تُعد لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي والدبلوماسي للمنطقة، ما يجعلنا نتوقف أمام مجموعة من النقاط والمؤشرات أبرزها:
-كسر لخطوط حمراء سابقة:
فالدوحة، التي لطالما استُخدمت كمنصة للحوار بين الغرب وحركات المقاومة، تحوّلت فجأة إلى ساحة مكشوفة أمنياً، إذ يبدو أن إسرائيل قررت إسقاط "الحصانات الدبلوماسية" غير المعلنة، وأن أي مكان يمكن أن يتحوّل إلى ساحة تصفية، ما دامت الحرب مستمرة. وهذا يفتح المجال أمام تحوّل خطير في قواعد الاشتباك، حيث لم تعد العواصم الخليجية بمنأى عن الحرب الاستخباراتية المفتوحة.
-إحراج الحلفاء وإرباك التحالفات:
العملية وضعت قطر، حليفة واشنطن والمضيفة لأكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، في موقع حرج. كيف يمكن أن تُستهدف أراضيها من قبل إسرائيل، دون ردّ فعل واضح من الولايات المتحدة؟ هذا الموقف يضعف موقع قطر إقليمياً، ويدفع خصومها للاستثمار في لحظة إرباكها. كما يثير تساؤلات في الدول الخليجية الأخرى حول حدود التفاهمات الأمنية مع إسرائيل وأميركا.
-الانعكاسات على مسار التطبيع الإقليمي:
جاءت الضربة في وقت تُجري فيه واشنطن مشاورات هادئة لإعادة ترتيب العلاقات الإسرائيلية مع دول عربية جديدة، وتثبيت اتفاقيات "أبراهام"؛ فاستهداف الدوحة سيعقّد هذا المسار حتما، إذ يصعب على أي دولة أن تمضي في التطبيع، بينما إسرائيل تُوسّع عملياتها إلى عواصم عربية "صديقة". هذا التصعيد قد يعيد ضخ الحيوية في خطاب المحور الرافض للتطبيع، ويوفّر له مادة تعبئة شعبية وإعلامية.
-تعميق الشرخ الفلسطيني – الخليجي:
فحماس، التي اختارت قطر كمقرّ سياسي لها لسنوات، ستجد نفسها اليوم أمام ضرورة إعادة تقييم علاقتها بالدوحة. فمن جهة، قد تحمّل قطر مسؤولية أمنية أو سياسية ضمنية، ومن جهة أخرى، قد تستخدم الحادثة لتعزيز سرديتها حول "انكشاف حلفاء أميركا"، وفي الحالتين، سيزداد الشرخ بين الفصائل الفلسطينية والدول الخليجية، ما يُضعف الجبهة الداخلية للمقاومة.
-التداعيات على لبنان وسوريا:
هذا النوع من الضربات يُرسل رسالة مزدوجة لحلفاء حماس، وعلى رأسهم حزب الله والنظام السوري. فإسرائيل تقول بشكل غير مباشر: "لا مكان آمن"، وهو ما قد يدفع هذه القوى إلى إعادة ترتيب تموضعها، وتوقّع ضربات مشابهة في مناطق أخرى.
في الخلاصة، لا يمكن اعتبار الضربة الإسرائيلية في الدوحة مجرد عملية أمنية، بقدر ما هي إعلان استراتيجي بأن ساحة المواجهة باتت بلا حدود. فكل دولة تحتضن طرفاً فاعلاً في محور المقاومة قد تصبح في مرمى النيران، سواء بالمباشر أو بالرسائل. وعليه قد تكون هذه العملية بداية مرحلة جديدة من المواجهة، حيث لا تبقى الحرب محصورة في الجبهات التقليدية، بل تمتد إلى قلب التحالفات، ومفاصل القرار في العواصم المؤثرة.