خاص الأفضل نيوز
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، تكثر عمليات النصب والاحتيال التي تستغل ضيق الناس وحاجتهم إلى عمل أو مردود مالي سريع. المجرمون يقدّمون عروضًا مغرية تفوق الخيال، من وظائف ذات رواتب مرتفعة إلى استثمارات بوعود ربح سريع، ليجد المواطن نفسه ضحية ظروفه قبل أن يكون ضحية العصابة. واحدة من هذه المحاولات استهدفت كاتب هذا المقال، وانتهت القضية بعهدة القوى الأمنية التي تتعقب أفراد الشبكة.
بداية القصة
انطلقت الحكاية برسالة من رقم غريب إلى إحدى قريبات الكاتب. المرسِل قدّم نفسه باسم “دكتور ناجي توما” قادم من كندا، مدّعياً أنه سيزور لبنان مع فريق عمل لإجراء “اختبارات للتربة”، وأنه يحتاج إلى شخص أمين لقيادة سيارته من نوع “مرسيدس جي كلاس” الفاخرة خلال فترة عملهم.
العرض كان مغريًا: عمل لمدة 25 يومًا مقابل 150 دولارًا يوميًا، مع حوالة مالية مسبقة بقيمة ألفي دولار. بالنسبة لكثيرين، قد يبدو هذا العرض فرصة العمر، لكنه كان بداية خيط احتيال محبوك.
سيناريو محكم... وثغرات فاضحة
العصابة حاولت كسب الثقة بإرسال صورة لحوالة مالية من بنك أجنبي. غير أن التدقيق كشف أن الصورة مفبركة بشكل بدائي، حيث وُضع اسم مصرفين معاً في الورقة بطريقة غير موجودة في أي معاملة مصرفية رسمية.
لاحقاً، تواصل “سائق الدكتور” وادعى أنه دفع مبلغ 900 دولار لشراء بضاعة، وبقي عليه 349 دولارًا طالباً من الكاتب دفعها ليخصمها لاحقاً من الحوالة. عند رفض الطلب، اختفى السائق، وحظر “الدكتور ناجي” رقم الكاتب على تطبيق “واتساب”.
بين الغطاء العلمي والتضليل النفسي
ما يميز هذه العصابة هو استخدامها اسم شخص حقيقي: د. ناجي توما، باحث علمي مقيم في كندا. هذا الانتحال يمنح القصة مصداقية مزيّفة، ويجعل الضحية أقل شكّاً في البداية. لكن الخدعة لم تصمد طويلاً، خصوصاً مع أسلوب الكلام المتسرع، المبالغ في الكرم، والتناقضات الواضحة.
وقد قمنا بمحاولات للوصول إلى د. ناجي في كندا إلا أننا لم نتمكن من التواصل معه.
تدخل القوى الأمنية
فور الاشتباه بمحاولة نصب، جُمعت كل المعلومات المتعلقة بالأرقام والرسائل وتم تسليمها إلى القوى الأمنية. وبحسب معلومات "الأفضل نيوز"، بدأت الأجهزة بمراقبة خطوط الهاتف وتتبعها، في إطار ملاحقة الشبكة التي يبدو أنها تمتهن أساليب نصب مماثلة ضد مواطنين آخرين.
خطورة الظاهرة
هذه الحادثة ليست معزولة. بل تأتي في سلسلة طويلة من عمليات نصب تُمارس عبر الإنترنت والهواتف، مستغلة ضعف الثقة بين المواطن والدولة، وصعوبة الظروف المعيشية. الأسلوب يعتمد على الإغراء المادي المسبق، واستدراج الضحية إلى دفع مبلغ صغير “لتسيير الأمور”، وهو المطب الذي يقع فيه كثيرون.
أسئلة بديهية تكشف الحقيقة
الوعي هو خط الدفاع الأول ضد هذه العصابات. إذ يكفي أن يسأل المرء نفسه:
• هل من المنطقي أن يرسل شخص غريب مبلغًا ماليًا كبيرًا قبل أي تعامل فعلي؟
• هل يُعقل أن يسلّمك أحدهم سيارته الفاخرة من دون معرفة شخصية أو ضمانات؟
• هل هناك وظيفة حقيقية تطلب منك أن تدفع مالاً قبل أن تبدأ العمل؟
الإجابات واضحة: كل ذلك يدخل في خانة المستحيل.
مسؤولية الدولة والمجتمع
من الضروري أن ترافق الملاحقات الأمنية حملات توعية منظمة. الوزارات المعنية، بالتعاون مع وسائل الإعلام، تستطيع إنتاج فيديوهات وبرامج قصيرة تُعرض على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، تشرح أساليب النصب الأكثر شيوعاً، وتوجّه المواطنين حول كيفية حماية بياناتهم الشخصية.
كما تقع مسؤولية على المواطن نفسه: لا مشاركة لمعلومات شخصية مع أرقام مجهولة، وعدم الانجرار وراء وعود خيالية، والسؤال دوماً عن مصدر العرض وصدقيته.
محاولة النصب عبر “الحوالة البنكية” و”السيارة الجي كلاس” قد تكون ساذجة في تفاصيلها، لكنها تكشف عن واقع خطير يهدد اللبنانيين في زمن الأزمات. وعي المواطن اليوم، إلى جانب يقظة القوى الأمنية، هو خط الدفاع الأول والأخير. لكن يبقى السؤال: هل تكفي التوعية والملاحقة الأمنية للحد من هذه العصابات، أم أن غياب الثقة بالدولة والفقر المدقع سيجعل اللبناني دائماً فريسة سهلة لوعود كاذبة وأحلام مزيّفة؟