كريستال النوّار - خاصّ الأفضل نيوز
في كلّ مرّة نسمع خبراً عن انتحار أحد الأشخاص في لبنان، يبدأ الحديث عن الاضطرابات النفسيّة ثمّ يُطوى الملفّ بهدوء. نبحث عن تفسيرات للحادثة داخل الشخص وليس في محيطه وكأنّنا نُحمّله المسؤوليّة، نسأل عن مشاكله النفسيّة لكن قلّما نسأل عن الظّروف التي أوصلته إلى حافة الهاوية ومُعاناته من كلّ ما كان يعيشه بصمت.
ففي كثيرٍ من الحالات، لا يكون الانتحار فعلاً فرديًّا معزولاً بل يحدث نتيجة لتراكمات اجتماعيّة اقتصاديّة وأخرى متنوّعة. حين يفقد الإنسان مصدر رزقه ويُحرم من الطبابة ويُترك لمصيره في وطنٍ يتراجع فيه كلّ شيء، تُصبح فكرة "ترك الحياة" أقرب ممّا نظنّ.. للأسف. هنا تؤكّد الاختصاصيّة النفسيّة ريبيكا هيكل "أهميّة الإضاءة على أنّ الانتحار لا يعود لسببٍ واحد فقط كما يُنشر أحياناً في الإعلام، فالفرد الذي يقرّر أن يُنهي حياته يكون قد مرّ بظروفٍ كثيرة قبل الإقدام على هذه الخطوة".
وتُضيف هيكل في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز": "هناك ما يُعرف باليوم العالمي للوقاية من الانتحار الذي يُصادف 10 أيلول من كلّ سنة، يهدف إلى الإضاءة على الانتحار من مختلف جوانبه مع التشديد على أنّه ليس محدوداً بل يُعاني منه كثيرون حول العالم، ويُساعد على كسر الصّمت وزيادة التوعية كي لا يبقى وصمة في المجتمع".
أمّا الأسباب وعوامل الخطر التي تزيد من الأفكار الانتحاريّة، فهي كثيرة وأبرزها المُعاناة من اضطرابات نفسيّة مثل الاكتئاب، القلق، اضطراب ثنائي القطب، اضطراب ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى الشعور بالوحدة أو فقدان الأمل بالحياة. كما أنّ المُعاناة من الأمراض الجسديّة أو التعرّض للعنف تزيد من الخطر، بالإضافة إلى وجود مشاكل ماليّة.
من المهمّ طبعاً الإشارة في هذا الإطار إلى الدّعم الاجتماعي ودور الأسرة والأصدقاء والمقرّبين، وفق هيكل "من الضروري أن يكون هناك support system لدى كلّ فرد ما يُشكّل عامل حماية له من الأفكار الانتحاريّة"، موضحةً أنّ "هذا لا يمنع حدوث الانتحار ولكنّه قد يكون عنصر وقاية وقد يُخفّف من خطر ورود الأفكار الانتحاريّة بمجرّد وجود ملاذ آمن يُمكن أن يلجأ إليه هذا الشّخص في أيّ لحظة".
ماذا عن الإحصاءات والأرقام؟ هناك دراسة أُجريت في لبنان وتُظهر أنّه بين 2008 و2018 أي في 10 سنوات، نفقد شخصاً كلّ يومين تقريباً بسبب الانتحار. وكلّ 6 ساعات هناك شخص واحد يُحاول الانتحار في لبنان.
في العام 2021، توفي 115 شخصاً وارتفع العدد في 2023 ليُسجّل 160 شخصاً، وهذه زيادة لافتة ولا بدّ من أخذها بعين الاعتبار، وفق هيكل، خصوصاً في بلد يجهل ناسه أنّ عدداً كبيراً من الأفراد في مجتمعاتنا يُفكّر بالانتحار حتّى لو لم يُنفّذه. وفي 2024، أظهرت الدراسات وفاة 129 شخصاً بالانتحار ما يُعدّ رقماً مرتفعاً أيضاً، رغم أنّه تراجع مقارنةً بالعام 2023. وتُشدّد هيكل على أنّ هذه الأرقام ليست دقيقة مئة في المئة، لأنّ الحالات غير المُعلن عنها كثيرة.
وعن العلامات التحذيريّة، قد يُرسل الشخص الذي يُفكّر في الانتحار إشاراتٍ مبطّنة أو واضحة من دون أن يُصرّح بذلك مُباشرةً، في بعض الأحيان، ولعلّ أبرزها: الانسحاب الاجتماعي المفاجئ حتى من المقرّبين، العزلة الطويلة، التحدّث عن الموت أو الرّغبة في الراحة الأبديّة بشكلٍ متكرّر ولو على سبيل المزاح، فقدان الاهتمام بتفاصيل ونشاطات كانت تُثير حماسه سابقاً، توزيع ممتلكات شخصيّة أو تسوية أمور مالية بشكلٍ غير معتاد، كتابة وصيّة، تقلّبات مزاجيّة حادّة أو هدوء مفاجئ بعد فترة من الضّيق الشديد، الحديث عن الشّعور بالذنب أو العبء على الآخرين، تراجع في الأداء المدرسي أو الجامعي أو الإنتاجيّة في العمل، عدم الاهتمام بالشّكل والنظافة الشخصيّة وتغيّر الشهية للطعام.
في هذه الحالات، ماذا يُمكن أن نفعل وكيف يُمكننا التدخّل بطريقة قد تُفيد هذا الشّخص؟ تقول هيكل: "الأهمّ أن نستمع جيّداً للآخر ونصغي إليه، وتجنّب الحكم المسبق وإطلاق الأحكام لأنّه يفكر بالانتحار، تفادي تجاهل الموضوع بل سؤاله بطريقةٍ معيّنة ومحاولة فهم ما يشعر وما يفكّر به، كما يُمكن تشجيعه على اللجوء إلى معالج أو طبيب نفسي والاتّصال بالخطّ السّاخن.
هناك ما يستحقّ العيش من أجله في هذه الحياة... ولكلّ مَن يشعر بالضّيق والعجز "لست وحدك، والألم الذي تشعر به حقيقيّ، ولكنّ الحياة ليست دائرة مُكتملة الأوجاع فقط بل قد تكون مفترق طرق حيث تستطيع اختيار أن تكسر الصّمت وتطلب المُساعدة".
وعلى الرّغم من صعوبة الأمر، إلا أنّ الخطوة الأولى يُمكن أن تكون مجرّد كلمة أو رسالة أو حتّى طلب صغير.. وما قد تبدو كخطوة غير مهمّة قد تُغيّر مجرى حياة.