مارينا عندس - خاصّ الأفضل نيوز
خسر الاقتصاد اللبناني نحو 14 مليار دولار كخسائر مباشرة، مع تقديرات تكلفة الإعمار بنحو 11 مليار دولار. وتراجع الإنتاج الزراعي نتيجة القصف والألغام، مع خسارة في الإنتاج الزراعي تُقدَّر بنحو 80% إضافية بعد السنة الخامسة من الحرب، بسبب الألغام غير المنفجرة، وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي.
الحرب دمّرت أراضٍ زراعية بأكملها
حسين الملاط، أحد فلاحي بلدة عيترون جنوبي لبنان، يقول إنّ "أراضيه تعرّضت بشكلٍ مباشر للضرر بسبب القنابل التي تفجّرت، ولا سيّما القنابل العنقودية، فألحقت أضرارًا هائلة بمنتجاتنا الزراعية حتى بعد انتهاء الحرب. وكثيرة هي الحقول التي لم نستطع أن نصل إليها بسبب الألغام والبقايا المتفجّرة. وأنا شخصيًا خسرت أكثر من 5 دونمات، وكل تعبي الذي سعيتُ من أجله طوال سنيني تبخّر. تضرّرت أشجار الزيتون بالكامل، والبعض منها لم أعثر له على أثر حتى، بسبب القصف المستمر في المنطقة. كما خسرتُ محاصيل مثل الزهرة، والكرنب، والتفاح، أي ما يقارب 10,000 دولار كخسائر مباشرة. ويوم عدنا إلى الزراعة، لم تعد المحاصيل كما كانت سابقًا".
ويؤكّد لموقع الأفضل نيوز أنّ "التبغ أضحى ضعيفًا، والزيتون قلّ إنتاجه، وحتى البندورة والباذنجان لم تعودا تثمران كما في السابق. أمّا المواد التي تفتّتت في الأرض فأثّرت على تركيبة التربة. لذلك حاولنا استخدام السماد العضوي لتتغذى الأرض، لكنّ النتائج بطيئة إلى حدّ ما. وهناك مزارعون تركوا الزراعة كليًا وهاجروا، ونحن صامدون رغم درايتنا بأنّ أراضينا لن تعود إلى طبيعتها بعد اليوم".
وفي السياق نفسه، يشير المجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS) إلى أنّ "استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض أدّى إلى احتراق آلاف الدونمات الزراعية، وتلوّث الهواء والتربة، وقدّر المجلس الخسائر البيئية المباشرة بأكثر من 214 مليون دولار".
وقد أعلن مسؤولو الوزارة أنهم يعملون على إعداد برنامج وطني للاستصلاح البيئي يشمل تأهيل التربة، فحص المياه الجوفية، وإصلاح الشبكات الزراعية المتضرّرة، فور توقّف العمليات العسكرية.
البقاع المنقذ الأوّل للجنوب
في المقابل، يشير رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي، إلى أنّ "أراضي البقاع الشمالي بدأت تستعيد الحياة مع تمدّد زراعة الزيتون بوتيرةٍ متسارعة. فقد شكّل تراجع الإنتاج في الجنوب دافعًا للمزارعين في البقاع لاستغلال الأراضي المهملة وتحويلها إلى بساتين زيتون، في مشهدٍ يعكس قدرة الطبيعة على التجدّد رغم كل الخسائر".
ويضيف أنّ "المزارع اللبناني لم يعد باستطاعته الاعتناء بأرضه كما في السابق، فقسم كبير من الأشجار قد احترق وأُتلف خلال الحرب، ولا سيّما في منطقة جنوب لبنان. شجرة الزيتون هي الشجرة الأولى التي تعرّضت للتلف والقطع والتلوّث. وهذا ما زاد لدى المزارع البقاعي الرغبة في الاعتناء بهذه الشجرة المثمرة والجبّارة، ولا سيّما في الهرمل ورأس بعلبك، وكل هذه المناطق البعلية التي تعاني من ندرة المياه".
ويؤكّد أنّ "معدّلات هذا العام كانت متدنّية كثيرًا، فلم نصل إلى 30% من المعدّل المائي الطبيعي. فإذا كان المعدّل 600 ملم في تل عمارة، هذا العام لم تصل المياه إلى أكثر من 220 ملم. وفي هذه الحالة، لا تغذية في الينابيع والأنهار ولا في الآبار الارتوازية. فمنذ شهري شباط وآذار كنّا نتوقّع الوصول إلى هذه المصيبة. بالإضافة إلى آثار الحرب التي أثّرت أيضًا في المساحات الخضراء".
ويضيف: "المشكلة أنّ المزارع بقي متأمّلًا رغم وجود مصائب بقاعية مثل تدنّي مستوى المياه في بحيرة القرعون إلى أدنى مستوى منذ تاريخ إنشائها وحتى اليوم. فمنذ 50 عامًا ونحن نمارس العمل الزراعي، ولم نشهد هذا الشحّ في الموارد".
كما يعتبر أنّ شحّ المياه أثّر في الزراعة، من خلال "رفع كلفة إنتاج الريّ من 7% إلى 30%. ومن هنا ستزداد خسائر المزارع. وبالتالي، كثير من المزارعين (20% منهم) عانوا من تلف في مزروعاتهم، و30% سقوا أراضيهم نصف الكمية المطلوبة، لذلك لم يكن الإنتاج كافيًا. و50% سقوا مزروعاتهم بالكمية المطلوبة لكن بكلفة عالية جدًا مع خسارة في رأس المال. واليوم، مع قلّة تصريف الإنتاج وكساد الأسعار مثل البطيخ، والبطاطا، والبصل التي باتت أسعارها أقلّ من كلفتها بكثير، علت صرخة المزارع أكثر وأكثر. وإسرائيل دمّرت آلاف الدونمات من أراضي الزيتون الجنوبية (حوالى 12% من مزارع الزيتون في جنوب وشرق البلاد أي حوالى 36% من الإنتاج الوطني). وأدّى القصف اليومي والمكثّف إلى إحراق وتلف وقطع أعداد كبيرة منها، وتلوّث البعض الآخر جرّاء المواد السّامة الناتجة من هذه الحرب. كما تلوّثت التربة والأرض، ما أدّى إلى صعوبة احتضان هذه الأراضي للأشجار".
وفي المقابل، بدأت أراضي البقاع الشمالي تستعيد الحياة مع تمدّد زراعة الزيتون بوتيرةٍ متسارعة. فقد شكّل تراجع الإنتاج في الجنوب دافعًا للمزارعين في البقاع لاستغلال الأراضي المهملة وتحويلها إلى بساتين زيتون، في مشهدٍ يعكس قدرة الطبيعة على التجدّد رغم كل الخسائر. فموسم الزيتون الذي كان يشكّل مصدر رزقٍ أساسيًا لأكثر من مئة ألف عائلة جنوبية في أوقات السلم، يسهم في توفير فرص عمل موسمية لآلاف العمّال الذين يعملون في قطفه أو يشتغلون في معاصر الزيتون المنتشرة في المنطقة.
وبالتوازي، فإنّ تأثير التغيّر المناخي وارتفاع نسبة الملوّثات يؤثّران على الفاتورة الصحيّة. وعليه، أكّد وزير الصحة ركان ناصر الدين أنّ "تلوّث الهواء يرفع نسبة الأمراض السرطانية والمزمنة في لبنان". وكشف أنّ "أرقامنا حول الأثر الصحّي مقلقة". والتأثيرات لا تطال البالغين فقط، بل الأجنّة أيضًا، إذ إنّ "دراسة أُجريت، بالتعاون مع المنظمات الدولية والجامعات، على 75 عيّنة دم لأجنّة، كشفت أنّ هناك نسبًا عالية من المواد المسرطنة". وأضاف أنّ "كلفة أدوية السرطانات والأمراض المزمنة على الوزارة تبلغ 7 ملايين دولار شهريًا".