كريستال النوار - خاص "الأفضل نيوز"
في ألبانيا، تمّ تطبيق تجربةٍ فريدة من نوعها لمُحاربة الفساد مع تعيين وزير افتراضي عبر الذكاء الاصطناعي. هذا "الوزير"، الذي يعمل على مدار السّاعة، يستطيع تحليل البيانات وتحديد المُخالفات الماليّة والإداريّة بكلّ دقّة وسرعة. السؤال الذي يطرح نفسه: "هل يُمكن أن يستفيد لبنان من التّجربة الألبانيّة، وأن يكون الوزير الافتراضي هو الحلّ لمُحاربة الفساد"؟
يُجيب الخبير في التحوّل الرقمي والتكنولوجي فريد خليل: "طبعاً وبشكلٍ كبير، ولكن هذا الأمر دونه تحدّيات كثيرة". ويُضيف خليل في حديث لموقع "الأفضل نيوز": الوزيرة الافتراضيّة في ألبانيا، والتي تُدعى "دييلا"، تشغل رسميًّا منصب وزيرة المناقصات العامّة، والهدف الأساس من هذا المشروع هو الشفافيّة ومُحاربة الفساد ومنع التحيّز والتدخّل البشري. يقتصر عمل "دييلا" على تحليل المُناقصات التي تُقدَّم وإعطاء القرار الأفضل في هذا الإطار، ما يُشكّل حلاً ممتازًا.
لكنّ النقطة الأساس في كلّ ذكاء اصطناعي، وفق خليل، تكمن في أنّه مرتبط ببرنامج وبالبيانات التي يحتوي عليها؛ فإذا كانت البيانات شفّافة نصل إلى الهدف المرجوّ، أمّا إذا كانت مُتحيّزة فتنتج عنها نتائج مُتحيّزة بعيدة عن الشفافيّة.
في لبنان، الفساد ليس مجرّد ظاهرة عابرة، بل هو مرض متجذّر ينخر مؤسّسات الدولة ويُقوّض ثقة المواطنين بها. من المحسوبيّات والتوظيفات العشوائيّة إلى الهدر المالي والصّفقات المشبوهة، أصبح الفساد جزءًا من حياتنا اليوميّة، كما تحوّلت السياسة إلى وسيلة لتحقيق منافع شخصيّة بدل خدمة الصالح العام.
وفي آخر بيان لها، أعلنت جمعيّة الشفافيّة الدوليّة - لبنان إصدار مؤشّر مدركات الفساد (CPI) لعام 2024، الذي كشف عن تراجعٍ مُقلق في ترتيب لبنان والنتيجة التي حقّقها. فقد حصل على نتيجة 22 من 100، مسجّلًا تراجعًا مقارنةً بالعام الماضي، حين حقّق 24 من 100. كذلك، احتلّ لبنان المرتبة 154 من أصل 180 دولة، بعدما كان في المرتبة 149 من 180 في العام 2023.
وفي ظلّ البحث المستمرّ عن حلولٍ لمكافحة الفساد، يُشير خليل إلى "أنّنا ما زلنا بعيدين كلّ البُعد عن الأتمتة العاديّة قبل الوصول إلى الذكاء الاصطناعي. كما أنّ هناك تحدّيات كبيرة أمامنا: أوّلًا خدمة الإنترنت في لبنان كارثيّة، والبنى التحتيّة لا تحصل على الصيانة المطلوبة منذ العام 2019، وغياب الميزانيّة يُفاقم الوضع سوءًا"، مُشدّدًا على وجوب البدء بإصلاح البنى التحتيّة والقضاء على الإنترنت غير الشرعي لمنع حصول أيّ خروقات، إذا أردنا الاستفادة من التجربة الألبانيّة. كما من الضّروري مُعالجة مشكلة الانقسام السياسي الكبير في البلد، إذ يؤكّد أهميّة الإرادة السياسيّة الجامعة للنجاح بتجربة الوزير الافتراضي في القطاع العام، قائلاً: "لازم يشيلوا إيدن من القطاع العام ويوقفوا يستفيدوا منّو، حتى ننجح بمحاربة الفساد"، فنظام الأتمتة يقضي على الفساد والرشاوى والتدخّل البشري وكلّ ما يتعلّق بالمصالح الشخصيّة.
إذاً، كي يستفيد لبنان من هذه التّجربة، عليه أوّلًا تحسين البنى التحتيّة وخلق بُنى تحتيّة رقميّة للذكاء الاصطناعي (ضمان مكان لتخزين البيانات، وحمايتها، وتحديد المسؤول عنها، وتأمين الكهرباء والإنترنت بشكل مستدام مع خطط لضمان الحفاظ على البيانات). وهذا كلّه يتطلّب ميزانية، وفق خليل.
ويمكن البدء بالتجربة المذكورة في كلّ القطاعات وليس بالضرورة فقط في الوزارة؛ وهذا يعني إمكان استخدامها في البلديّات والميكانيك والنافعة وبالمعاملات البسيطة لتسهيل حياة المواطنين، مع تطبيقات بالذكاء الاصطناعي.
كما يلفت خليل إلى نقطة أساسيّة، وهي وجوب تحديث القوانين في لبنان، "لأنّ القوانين في بلدنا تفتقر إلى كلّ ما يخصّ الأتمتة والذكاء الاصطناعي في الدولة"، مكرّرًا أنّ هذه التجربة ممتازة شرط توفّر الإرادة السياسيّة الجامعة لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافيّة وتسهيل الخدمات العامّة للمواطنين.
في الخلاصة، الموضوع كلّه يعتمد على الدروس التي يمكن أن نستفيد منها بعد تدهور مؤسّسات الدولة وتآكلها بسبب الفساد. فهل نكون جاهزين يومًا ما للقضاء على الفساد والمحسوبيّات بشكلٍ جذري ونهائي؟ الجواب برسم المواطنين قبل المسؤولين...