كمال ذبيان – خاص "الأفضل نيوز"
شكَّل الجيش اللبناني نقطة خلاف في مراحل من تاريخ لبنان السِّياسي، حول دوره ونوع سلاحه وعقيدته القتالية وزَجّه في الصِّراعات الداخليَّة. فكان قادته إمّا يَحْجُبونه عن المسائل السياسية، أو يزجّون به فيها، فينقسم ويتحوّل إلى مجموعات طائفيَّة ومذهبيَّة ومناطقيَّة.
هذا هو واقع ما كان يتعرّض له الجيش، الذي ينفِّذ قرار السلطة السياسيَّة الممثَّلة بالحكومة، لكنّه في كثير من المحطّات أو القرارات كان لقيادته قرارٌ مخالف للسلطة أو لفئة سياسية فيها، فلم ينفِّذ قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب قرارَ رئيسِ الجمهورية بشارة الخوري بمواجهة الثورة السِّلمية التي كانت تُطالِب باستقالته في صيف 1952، فاستقال الرئيس الخوري، وعيَّن اللواء شهاب رئيسًا للحكومة لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية. فكان كميل شمعون من أركان "الجبهة الاشتراكية الوطنية" التي طالبت برحيل الخوري، وهو ـ أي شمعون ـ مَن طلب من اللواء شهاب في العام 1958 التصدّي للثورة المسلّحة، فرفض، وأصبح رئيسًا للجمهورية بتوافق أميركي – مصري.
هذان نموذجان حول استخدام الجيش وتصرُّف قائده شهاب، وتكرَّر ذلك في مراحل أخرى خلال عهدَي الرئيسين شارل حلو وسليمان فرنجيّة الذي رفض إقالة قائد الجيش العماد إسكندر غانم، الذي لم يتصدَّ للعدو الإسرائيلي الذي نفّذ اغتيال ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية في بيروت – فردان، في 10 نيسان 1973، فحصلت أزمة سياسية دستورية أوصلت إلى حرب الفتنة عام 1975.
وانقسم السياسيون حول دور الجيش وتدخّله، كما انقسم الجيش على نفسه، إلى أن أُعلِن اتفاق الطائف عام 1989، وجاء في أحد بنوده توحيده وتسليحه وبناء عقيدة قتالية له تؤكِّد أن إسرائيل هي العدو.
وأُعيد بناء الجيش على أسس وطنية، فرفض الاصطدام بالمقاومة في عهد قائده إميل لحود في أيلول 1993، وأوصله موقفه إلى رئاسة الجمهورية. وقاتل قائده ميشال سليمان جماعة "فتح الإسلام" في مخيّم نهر البارد، فتأهّل ليصبح رئيسًا للجمهورية. وامتنع الرئيس جوزاف عون عندما كان قائدًا للجيش لم يتصدَّ للحراك الشعبي الذي انطلق في 17 تشرين الأول 2019 واستمرّ لسنوات، فتقدَّم اسمه إلى رئاسة الجمهورية، والتي أتت به ظروفٌ إقليمية ودولية، كما غيره من رؤساء الجمهورية منذ عام 1943.
فالجيش أصبح نقطةً يتوافق عليها الداخل اللبناني، ولم يعد موضع خلاف، لأنّه تناغم مع المقاومة، وتصدّى - عندما تحين الفرصة واللحظة ـ للعدوِّ الإسرائيلي، فسجّل أكثر من علامة لصالحه بأنّه جيش وطني عقائدي ينقصه السلاح، الذي لم توفّره له السلطة السياسية التي كانت تواجه بممانعة أميركية لتسليح الجيش بما يهدّد أمن الكيان الصهيوني، وما زالت. وهذا ما أعلنه صراحةً الموفد الأميركي توم باراك، الذي استاء من الجيش وقيادته لأنّ خطّته التنفيذية لحصر السلاح لم تتضمّن نَزْعه بالقوّة، لأنّ من شأن ذلك انزلاق لبنان نحو حرب أهلية، وهذا ما هو مرفوض من الرئيس عون ورئيس الحكومة نواف سلام والرئيس نبيه برّي، الذي يدافع عن الجيش ودوره، وتوافَق مع رئيس الجمهورية على أنّه خطّ أحمر، ولا يختلف الرأيُ سلامٌ عنهما، لكنّه استهان بتصرّف الجيش وقوى الأمن الداخلي بعدم تنفيذ ما اتُّفق عليه بإعطاء الإذن لمنظِّمي فعاليات ذكرى الأمينَين العامَّين لـ"حزب الله" السيّدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
فليس من خلاف داخلي حول الجيش، الذي صان السِّلم الأهلي كما قال الرئيس عون، في حين نظر إليه الرأيُ العام بأنّه تساهل مع تجمّع "سهرة الروش"، بما هزَّ هيبة الدولة، وليس على دور الجيش في حفظ الأمن والاستقرار. ولن يكون هناك خلافٌ على الجيش، بل دعمٌ له.