ميرنا صابر – خاصّ الأفضل نيوز
في خطوة مفاجئة تحمل انعكاسات اجتماعيّة واقتصاديّة عميقة، أوقفت منصة "تيك توك" تحويل الأموال إلى لبنان، ما شكل صدمة لعشرات آلاف صانعي المحتوى الذين اعتمدوا في السنوات الأخيرة على عائدات البث المباشر والهدايا الرقميّة كأحد آخر مصادر الدخل الممكنة في بلد يعيش أسوأ أزمة ماليّة في تاريخه الحديث.
يُقدر عدد مستخدمي تيك توك في لبنان بأكثر من 3 ملايين مستخدم، بينهم عشرات آلاف الشباب الذين وجدوا في المنصة ملاذًا اقتصاديًا بديلًا وسط انكماش تجاوز 80% من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2019، وبطالة شبابيّة تخطت 40% بحسب تقديرات منظمات محليّة ودوليّة.
بالنسبة لهؤلاء، لم تكن المنصة مجرد مجال للترفيه أو استعراض المواهب، بل نافذة لتأمين دخل شهري بالدولار في وقت باتت فيه العملة الوطنيّة تفقد قيمتها بشكل متسارع.
بحسب مصادر خاصة لـ"الأفضل نيوز"، فإن خطوة تيك توك جاءت نتيجة مباشرة لإدراج لبنان على اللائحة الرماديّة لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، وهو تصنيف يعني أن أي تحويل مالي من لبنان أو إليه يخضع لتشديد غير مسبوق خشيّة استغلال تلك الأموال في غسل أموال، تجارة سلاح أو تمويل جماعات غير شرعيّة.
وتشير المعلومات إلى أن بعض الحسابات اللبنانيّة كانت تصل إلى سقف السحب المسموح، 50 ألف دولار شهريًا، وهو ما وضع المنصة أمام مسؤولية قانونيّة قد تفتح عليها باب مساءلة دوليّة.
بحسب متابعة خاصة، فإن متوسط دخل بعض صانعي المحتوى الفاعلين كان يتراوح بين 300 إلى 1500 دولار شهريًا، وهو مبلغ يعتبر كبيرًا في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور حوالي 90 دولارًا فقط بعد الانهيار.
هذا التوقيف لا يقتصر على خسارة مالية فردية، بل يضرب قطاعًا كاملاً نشأ من رحم الأزمة: "اقتصاد صانعي المحتوى". فبحسب تقديرات غير رسميّة، كان هذا الاقتصاد يُدرّ ما يقارب 20 إلى 25 مليون دولار سنويًا إلى لبنان، معظمها عبر تحويلات تيك توك ويوتيوب ومنصات الألعاب الإلكترونيّة.
اليوم، يجد آلاف الشباب أنفسهم أمام انسداد جديد يدفع بعضهم إلى التفكير بالهجرة أو البحث عن منصات بديلة مثل يوتيوب. فلا يتوقف أثر القرار عند الخسارة الماليّة المباشرة فقط، بل يمتد ليطرح أسئلة صعبة حول مستقبل آلاف الشباب الذين اعتبروا صناعة المحتوى وظيفة بديلة عن الدوام الكامل. بعضهم تخلى عن متابعة دراسته الجامعية أو ترك عملًا ثابتًا لأن ما كانوا يحصلون عليه من البث المباشر والهدايا الافتراضية بدا أكثر سهولة وربحية.
اليوم، ومع توقف التحويلات، يواجه هؤلاء فراغًا مقلقًا: لا شهادة أكاديمية تؤمن لهم فرصًا تقليدية في سوق العمل، ولا دخلًا رقميًّا ثابتًا يعوضهم. النتيجة قد تكون موجة جديدة من الإحباط، وربما ازدياد الهجرة أو الانزلاق نحو أعمال غير مستقرة، في بلد تتقلص فيه الخيارات يوما بعد يوم.
مصادر اقتصادية رفيعة المستوى تؤكد لـ"الأفضل نيوز" أنّ: "توقيف التحويلات الماليّة من تيك توك ليس حدثًا معزولًا، بل يندرج ضمن مسلسل العزلة الماليّة التي يعيشها لبنان نتيجة غياب الإصلاحات البنيوية. إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعني ببساطة أن أي تعامل مالي مع الخارج بات محفوفًا بالمخاطر. وإذا لم ينجح لبنان في الانتقال إلى مسار إصلاحي واضح، فسنشهد مزيدًا من القرارات المماثلة من منصات وشركات عالميّة، وهو ما سيزيد من نزيف المواهب والشباب نحو الخارج."
ما حصل ليس مجرد "قرار تقني" من شركة تكنولوجية، بل ضربة قاسيّة لمجتمع شاب يبحث عن بدائل في بلد انهارت فيه فرص العمل التقليدية.
"الأفضل نيوز" تتابع الملف مع مصادر اقتصادية ومالية، خصوصًا أن هذه القضية قد تكون مقدمة لإجراءات أشد قسوة على صعيد المنصات الرقميّة الأخرى إذا لم يتحرك لبنان جديًا لمعالجة أسباب إدراجه على اللائحة الرماديّة.