ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
في لحظة سياسية حاسمة، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو، بعد ساعات على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولادة "الشرق الأوسط الأميركي الجديد" من شرم الشيخ، في زيارة تحمل أبعاداً استراتيجية بالغة الأهمية.
فالجولة تأتي في وقت بدأت فيه واشنطن تُظهر مؤشرات الانفتاح على دمشق بعد سنوات من العزلة، ما يضع النظام السوري أمام فرصة نادرة لإعادة التموضع على الساحة الدولية، مع الحفاظ على تحالفه الأكثر رسوخاً مع موسكو.
من هنا فإن زيارة الشرع ليست مجرد جولة بروتوكولية، بل محاولة محسوبة لإعادة ضبط موازين القوة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، حيث يسعى النظام السوري من خلال موسكو إلى تأكيد استمرار الدعم الروسي في ملفات السياسة والأمن وإعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه استكشاف إمكانيات الانفتاح الأميركي بطريقة تمنحه أقصى درجات المناورة، دون أن يفقد السيطرة على أوراقه الاستراتيجية.
سياسياً، ترسخ الزيارة الدور الروسي كحامٍ للنظام، ضامن لاستقراره، ووسيط رئيسي في أي تسوية دولية محتملة؛ فموسكو، من جهتها تضمن عبر هذه الجولة استمرار نفوذها في دمشق، ووجودها كطرف أساسي في أي حوار دولي قد يشمل واشنطن أو الاتحاد الأوروبي، وهو ما أكده كلام الرئيس السوري لجهة التزام دمشق بكل الاتفاقات التي وقعها النظام السابق.
هذا التوازن الدقيق بين موسكو وواشنطن، يمنح دمشق قدرة على إدارة الانفتاح الأميركي بحذر، وضمان أن أي خطوات تتخذها الولايات المتحدة ستظل ضمن إطار يحترم المصالح الروسية.
على الصعيد الاقتصادي، تحمل الزيارة إشارات إيجابية للقطاع الاستثماري الدولي. فموسكو كشريك رئيسي يبعث رسالة استقرار للمستثمرين، ويعزز فرص إعادة الإعمار، بينما الانفتاح الأميركي المحتمل يوفر فرصاً لتنفيذ قرارات رفع العقوبات، لتكون النتيجة: نظام قادر على استغلال الفرص الاقتصادية والسياسية مع الحفاظ على سيطرته الوطنية، مما يزيد من قدرة دمشق على المناورة بين محورين دوليين متوازيين.
رمزياً، ترسل الزيارة رسائل مزدوجة، فللداخل السوري، تؤكد قدرة النظام على حماية تحالفاته وضمان استقرار الدولة في خضم أزمات متلاحقة، وللخارج، تُظهر أن أي خطوة أميركية تجاه دمشق لن تمر دون إشراك موسكو، وأن سوريا ليست تحت رحمة الضغوط الغربية وحدها، بل هي لاعب يمتلك أوراق قوة مهمة على الساحة الدولية.
في المحصلة، تمثل زيارة الشرع إلى موسكو مرحلة إعادة تموضع حاسمة لسوريا. إنها خطوة استراتيجية مزدوجة: تعزيز النفوذ الروسي وضمان استقرار النظام، مع استكشاف الانفتاح الأميركي بشكل مدروس ومحسوب. معادلة تمنح النظام أقصى قدر من المرونة السياسية والاقتصادية، وتعيد رسم خرائط التحالفات الدولية في المنطقة، مع وضع سوريا في مركز الاهتمام الإقليمي والدولي، كدولة قادرة على حماية مصالحها الوطنية وإعادة بناء دورها في النظام الدولي.
باختصار، زيارة الشرع لموسكو ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل محطة مفصلية في استراتيجيات النظام السوري، ومن خلفه، لإعادة تعريف موقعه بين روسيا والولايات المتحدة، واستثمار أي فرصة دولية لصالح استقراره ومصالحه على المدى الطويل، في وقت تتزايد فيه التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه دمشق.
فهل تنجح مخططات الشرع؟ وماذا عن طموحات الجهات الإقليمية والخليجية التي تقف خلف دمشق، وحساباتها الأميركية - الروسية؟

alafdal-news
