كمال ذبيان – خاص "الأفضل نيوز"
يضيقُ الوقتُ على لبنانَ الذي يقتربُ من نهايةِ العامِ الحالي، وهو الموعدُ الذي حدّده رئيسُ الجمهوريّةِ جوزيف عون لحصرِ السلاحِ في يدِ الدولة، وتعهّد به في خطابِ القسم، وأصدرته الحكومةُ في قرارٍ لها بتاريخ 5 و7 آب الماضي، وأقرّت خطةَ الجيشِ لتنفيذه على مراحل، والتي بدأت من جنوبِ الليطاني مع بدء تطبيقِ اتفاقِ وقفِ إطلاقِ النار مع العدوّ الإسرائيليّ في 27 تشرين الثاني الماضي، ويُخرِجه يوميًّا باعتباره يستهدف كلَّ وسائلِ إعادةِ الإعمار التي يُمنَع حصولُها قبل تسليمِ السلاح.
وكانت الإدارةُ الأميركيّةُ قد حدّدت تواريخَ للبنانَ لينتهي من تسليمِ السلاحِ غيرِ الشرعيّ، فكان في آذارَ ثمّ في نيسان، وحضر الرئيسُ الفلسطينيُّ محمود عباس في أيّارَ الماضي إلى لبنان، وأبلغ رئيسَ الجمهوريّةِ جوزيف عون بأنّ سلاحَ المخيّماتِ سيُسلَّم، وعلى الحكومةِ أن تتّخذَ قرارَها، فلم يُسلَّمْ إلا ما هو مع حركةِ "فتح"، وهذا ما أزعج واشنطن التي أرسلت عبر الموفدِ الرئاسيّ أنّ المهلةَ الماضيةَ هي الأخيرةُ لتسليمِ السلاح، فعقدت الحكومةُ اجتماعين لها في الخامسِ والسابعِ من أيلولَ الماضي، واتّخذت قرارًا بحصرِ السلاحِ بيدِها، فطلبت من قيادةِ الجيشِ وضعَ خطةٍ تنفيذيّةٍ، فلبّت، وحضر قائدُ الجيشِ العمادُ جوزيف عون إلى جلسةِ مجلسِ الوزراءِ في الخامسِ من أيلولَ الماضي حاملًا خطةً مع فترةٍ زمنيّةٍ غيرِ محدّدةٍ لاستلامِ السلاح، وهذا ما لم يكن محلَّ رضا الإدارةِ الأميركيّة، التي حرّكت اجتماعاتِ اللجنةِ العسكريّةِ الخماسيّةِ المشرفةِ على تطبيقِ وقفِ إطلاقِ النار وتنفيذِ بنودِ الاتفاقِ المستندِ إلى القرارِ 1701، إلّا أنّ العدوَّ الإسرائيليَّ أبلغ باراك بأنّه لن يُنفِّذ قبل الانتهاءِ من تسليمِ السلاح، وهذا ما أعاد باراك تأكيدَه في تصريحٍ له، والذي سبق أن أبلغه للرئيسِ نبيه برّي بأنّ إسرائيل لن تلتزم بالاتفاق.
وبدلًا من أن ترميَ أميركا، الراعيةَ لاتفاقِ وقفِ إطلاقِ النار، الكرةَ في الملعبِ الإسرائيليّ وتضغطَ باتّجاهِ الانسحابِ من المناطق، فإنّها تحملُ لبنانَ مسؤوليّةَ تقاعسِه عن القيامِ بواجباتِه، بدءًا ببسطِ سيادةِ الدولةِ على أراضيها وانتزاعِ سلاحِ حزبِ الله، وأن تباشرَ فورًا لا أن تتباطأ، كما اتّهم باراك، الذي أعلن أنّ تسليمَ الجيشِ أميركيًّا هو لمهمّةٍ واحدة: نزعُ سلاحِ "حزبِ الله" ولو بالقوّةِ، والصدامُ العسكريّ معه — وهو ما يؤيّده العدوُّ الإسرائيليُّ وأطرافٌ لبنانيّة.
في حين أنّ الرئيسَ عون لا يريدُ هذا الأسلوبَ الصداميَّ الذي قد يُدخِلَ لبنانَ في حربٍ أهليّةٍ؛ فقد نبّه باراك إلى أنّ العدوَّ الإسرائيليَّ قد يقومُ بعمليّةٍ عسكريّةٍ قد تكونُ أقوى ممّا حصل في الحربِ الأخيرةِ لتدميرِ سلاحِ "حزبِ الله" نهائيًّا، فوضعَ لبنانَ أمامَ خيارٍ صعبٍ: إمّا حربٌ أهليّةٌ وصدامٌ بينَ الجيشِ و"حزبِ الله" قد يؤدّي إلى انقسامٍ في المؤسّسةِ العسكريّة، أو حربٌ إسرائيليّةٌ واسعةٌ ترتفعُ معها حالاتُ الدمارِ في لبنانَ حتّى يجلسَ مع إسرائيلَ على طاولةِ مفاوضاتٍ مباشرةٍ، وينهيَ الحربَ معها ويوقّعَ معاهدةً على غرارِ "اتفاقِ أبراهام".
ولا تتركُ الإدارةُ الأميركيّةُ أيَّ خيارٍ للبنانَ الذي قبل بمفاوضاتٍ غيرِ مباشرةٍ كما حصل في مراحلَ سابقةٍ برعايةٍ أميركيّةٍ، مثلَ ما جرى في ترسيمِ الحدودِ البحريّة، لأنّ التفاوضَ المباشرَ مرفوضٌ من أطرافٍ لبنانيّة، وإذا حصل فستكونُ نتائجُه وبالًا على لبنان، الذي أعادَ الرئيسُ نبيه برّي التذكيرَ بعملِ لجنةِ "الميكانيزم" التي أعادت تفصيلَ اجتماعاتِها، وهي من مهامِّها إنهاءُ كلِّ ما حصل بعد حربِ إسنادِ "حزبِ الله" لغزّة.
وبعدَ، يتحدّثُ المسؤولون في لبنانَ عن أنّ أميركا لا تمارسُ دورَ الدولةِ الوسيطِ النزيه، وقد لجأ إليها لبنانُ مرّاتٍ عديدةً، أو هي دخلت وسيطًا، لكنّه لم يحصلْ منها على مساعدةٍ، وهو ما يجعلُ وضعَ لبنانَ أوراقَه كلَّها في السلّةِ الأميركيّةِ، التي لم تُعِدْ له أرضًا محتلةً، ولا أسيرًا، ولم تشارك في الإعمار.

alafdal-news
