د.يوسف الصميلي – خاص الأفضل نيوز
الحشد الكثيف في قصر الأونيسكو يوم السبت 5 تشرين الثاني 2022، الذي دعا إليه السفير السعودي في لبنان الأستاذ وليد البخاري، بمرور 33 سنة على اتفاق الطائف، أظهر أن كل الحاضرين هم من جميع التيارات والقوى السياسية اللبنانية، سواء منهم القدامى الذين كانوا من شهود اتفاق الطائف وأسهموا في التوصل إليه بحكم أنهم كانوا نواباً، أو الجدد الذين أصبحوا في مواقع المسؤولية السياسية أو التمثيل النيابي أو الاهتمام بالشأن العام.
في لبنان، ليست المشكلة في أي نص دستوري أو قانوني أو ميثاقي، إنما هي في صُلْب بنية النظام وبُناته الذين يطبقون حرفياً كلام الجنرال الفرنسي الذي قال عند انتهاء الانتداب الفرنسي على لبنان: أعطيناهم الاستقلال، وأعطيناهم معه عدم الاستقرار، وكان هذا القول ناجماً عن تجربة عميقة مع جميع الذين تعاطى معهم من الساسة اللبنانيين، الذين معظمهم على استعداد لتطويع الدستور والقانون والميثاق لمصالحهم الشخصية المغلَّفة دائماً بعناوين خادعة: مصلحة الوطن – مصلحة الطائفة – مصلحة التوازنات ... إلى ما لا نهاية من هذه المصالح.
الميثاق الوطني
كان الميثاق الذي أرسى أسسه الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح عنوانه العيش المشترك، والكيان اللبناني، وأن لا يكون لبنان مقراً ولا ممراً ضد العرب، وضد سوريا على وجه أخص، وربما لم يتم طرح إشكاليات حادة في عهد بشارة الخوري، لكنه أول رئيس جمهورية لوى ذراع الدستور بمحاولة التمديد، ثم كان كميل شمعون الذي جاء رئيساً للجمهورية على صهوة العروبة وسُمي فتى العروبة الأغر، أول من جعل من لبنان مقراً وممراً ضد العرب، حين اختار اللحاق بحلف بغداد، ومن جانب آخر أكمل مهمة نقض الدستور بالسعي إلى التمديد، فكانت أحداث سنة 1958 الوبيلة، ثم جاء فؤاد شهاب، فكان الرئيس الأكثر وفاء لميثاق العيش المشترك وتطبيق الدستور، واستعادة ألق العلاقة اللبنانية العربية، وهو الرئيس الذي استقال في عز وهج رئاسته لأن البنية السياسية للنظام وللسياسيين مثقوبة ومعطوبة وعصية على العلاج، وقد رفض بعد ذلك كل محاولات التمديد.
الاقتتال الأهلي 15 عاماً الذي أوصل إلى الطائف، ثبَّت الميثاق في نصوص دستورية، لكن هواية كسْرِ هذه النصوص ظلت سائدة، وكان أكثر من أظهرها الرئيس ميشال عون، وكان في كل سلوكه الرئاسي حاملاً مطرقة هدم الطائف والدستور والقانون والميثاق.
الطائف نص مثبت، لكنه غير مطبَّق مثل كل النصوص الأخرى التي يتم استحضارها انتقائياً لغرض محدد، تفرضه لعبة تبادل مراكز القوى في وطن جريح.