قمر صالح _ خاصّ الأفضل نيوز
رئيسٌ آخر للجمهورية اللبنانية رحل، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا سيتذكره النَّاس به. غادر رئيسُ الجمهوريّة اللّبنانيّة السّابق ميشال عون في ٣٠ من الشهر الفائت بمراسمَ رسمية وموكبٍ شعبيٍّ من مؤيَّدي التيار الوطنيِّ الحُر، وكان آخر توقيعٍ له بمثابة هدية للّبنانيّين على حدِّ تعبيره يختتمُ فيها ولايته.
عون الذي تكاثرت في عهده الأزماتُ الصّحِّيَّةُ والتَّربويَّة، وصولًا إلى الانهيار الاقتصاديِّ والأزمة المعيشيّة، فهل يتحمَّلُ وزرَها ميشال عون فقط؟ أم أنها نتيجةً طبيعيةً لتراكم فساد الطبقة السّياسية التي ادّعت الإصلاحاتِ وسرقت الوطنَ والمواطن؟.
وفي 31 تشرين الأول وجَّه عون رسالته الأخيرة للمجلس النّيابيّ عبر رئيس مجلس النُّوّاب نبيه برّي، أوصى فيها المجلسَ بالمضيِّ قُدمًا في حكومة تصريف أعمال تقوم بمهامها وفقَ الأصول الدّستوريّة، لتنهال التعليقاتُ بين مؤيدين ومعارضين لفحوى الرسالة، والتي كان أبرزها تعليق النَّائب أشرف ريفي واصفًا مضمونها بالـ "المسموم".
حلَّ ١ تشرين الثاني بـ "فراغه"، ولا آمال تلوحُ في الأفق حول اقتراب موعد معرفة هُويَّة رئيس جمهورية لبنان الجديد، للانتقال بعدها إلى انتخاب رئيسٍ للحكومة تبدأ بالإصلاحات وتلملمُ شظايا الهدر والإخفاقات، وتُصلحُ ما كُسِر على مدى ٦ سنوات، بل أقدم من ذلك.
حزب الله يجلسُ جانبًا ويراقب كلَّ الأحداث ويتأنى بطرحِ الاسم الذي سيدعمُه للوصول إلى سُدّة الرئاسة، على رغم أقاويل الكواليس المنتشرةِ حول دعم "حزب الله" اسم سليمان فرنجية.
والقوَّات اللّبنانيّة، تجاهرُ بقوَّة مواقف رئيسها سمير جعجع، وبين اسمه واسم النائب ميشال معوَّض للترشيح تختار جهرًا دعمها لـ "معوَّض"، وهذا ما أكده النائب جورج عدوان في تصريحٍ له عقب جلسة قراءة الرّسالة الأخيرة لعون. أمّا ضمنيًا، وما يحدثُ في كواليس القوَّات "الله وأعلم".
أما التيارُ الوطنيُّ الحرّ، وحتى لو نفى رئيسه جبران باسيل، خلال إطلالته الإعلاميّة الأخيرة، ترشّحه للانتخابات الرِّئاسيّة، فهو في الوقت عينه لم يقطعِ الطريقَ نهائيًا على هذا الاحتمال، وحزب الله يكاد يكون الحليفَ الوحيدَ المتبقي له. لكن هل يقلبُ باسيل الطاولةَ على حزب الله إذا تبنَّى الأخيرُ ترشيحَ سليمان فرنجية للرئاسة؟ أم سيُحافظ على علاقته مع الحزب حتى لو ضحَّى بحلم الرئاسة؟.
ثمَّ "النواب التغييريون" الذين يحاولون بصعوبة كبيرة فهمَ العقليةِ السّياسيَّة في البلد، فتارةً يتخبَّطون فيما بينهم، وتارةً "متل السمن عالعسل" حتى يكاد اللبنانيون يجزمون بأنَّ "التشرينيين" يعيشون حالةً من "الانفصام" تجعلُ شعلة التغيير تنطفئ رويدًا رويدًا.
لكنَّ الغريب، هو غيابُ أي وجودٍ أو تصريح لتيار المستقبل عن أزمة الفراغ، التي لطالما رفضها سعد الحريري سابقًا، والتي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بـ "التسويات" مع كلِّ الكتل النيابية والحزبية. وأمام هذا الاختفاء لابدَّ من طرح بعض الأسئلة، هل تُعجبُ هذه الانهيارات التيَّار؟ وهل تُشبِعُ هذه الفوضى غريزةَ الانتقام لديه، بعد إعلان رئيسه سعد الحريري الاستقالةَ من رئاسة الحكومة، استجابةً لنداء ثوار تشرين "كلُّن يعني كلُّن"؟.
أما عن احتمال عودةِ رئيس التيار الأزرق سعد الحريري إلى لبنان، فلفت مصدرٌ مقرَّبٌ من الأخير الى أنّ الأمر "غير وارد"، أقلّه في المستقبل القريب، فالحريري يركّز حصرًا على أعماله وعلى تطوير شركته وتوسيع أعمالها، إضافةً إلى اهتمامه بالأمور العائليّة، مؤكدًا أن اهتمامَ الحريري بالشأن اللبنانيِّ الداخليِّ قد تراجع.
إذًا، شارك الحريري بتسليمِ البلد للانهيار ولو أقلَّ من غيره وانسحب، وهو الذي لم ينحح له قرار منذ أن دخلَ باب السياسة "بالتوريث"، فهل ابتعاده عنها سيكون أحدَ قراراته الفاشلة أم أنه وأخيرًا اتخذَ القرارَ الصائب؟
فاستعدُّوا أيُّها اللبنانيون، لموجة الفراغ على الصعد كافة، ليس الرئاسيّة فقط. فالدولار إلى مزيدٍ من الارتفاع ومضاربات في السّوق السَّوداء دون رقيب أو حسيب. جيوبكم ستفرغُ من بضع اللّيرات اللبنانية التي تقبضونها، بيوتكم ستفرغُ من المونة والمحروقات، ونفوسكم سيفرغُ صبرها. ولتنظر إليكم ثورة تشرين من بعيد وتناديكم "أين أنتم يا من ثرتم على الـ "الواتساب" ولم يجعلكم "الجوع" تثورون!
وكما يُقال في الليلة الظلماء يُفتقدُ البدرُ، وكم يفتقدُ اللبنانيون لزعيمٍ كالراحل جمال عبد الناصر، يقودُهم نحو الثورة الحقيقية للانتصار على الذلِّ الذي بات يعيشه المواطنُ يوميًا على أبواب المستشفيات والأفران والمدارس والمحطات وغيرها. هو الذي كان دائمًا يقول " الخائفون لا يصنعون الحرية، والمترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء". وهذا حالُ اللبنانيُّ للأسف، خائف من المستقبل، مستسلمٌ لواقعه ومتردِدٌ للحراك، تاركًا الفراغَ والسّياسة تنهشان لحمه وأولاده وهو لا يحرِّكُ ساكنًا بل إمّا يتعايش أو يهاجر أو ينتحر...!.