أماني النَّجار _ خاصّ الأفضل نيوز
ليسَ لأنه الثّاني والعشرين من تشرين الثّاني، ولا مناسبة لتبادُل التَّهاني، ولا لأنّه اليوم الذي نأخُذ فيه عُطلةً رسميَّة، وليسَ لأنَّه كان تاريخ ولادة الحُريّة عام ١٩٤٣ وحسْب، بَل لأنَّه تاريخ ولادة الحُريَّة في جميع الأيَّام، إنَّه عيد الاستقلال.
اليوم ومَع تراكم أزمات التّعطيل والأزمات الاقتصادية، باتَ الاستقلال ذكرى روتينيَّة سنويَّة فارِغة المضمون، فالاستقلال الحقيقيّ أن نستقِّل عن همومِنا وخوفنا ومصير أولادنا. فعلى أيّ استقلالٍ تتباكون، ونحنُ في بلدٍ تغيبُ عنهُ الكهرباء وتتحكّمُ بناسِه مافيا الموَّلدات التي باتَت وحدها أمل المُواطن ببعض من نور، نحنُ في بلد لا يعرف القيّمون عليه كيف يتخلَّصون من مشكلة النُّفايات، أو كيف يؤمّنون أساسيّات الحياة للمواطنين، فأين الاستقلال من الإتيان بدولةٍ صحيحةٍ وصحيَّة، لا دولة (مزرعة) وإقطاع عائلي وطائفي ومناطقي ومُحاصصة، حوَّلت الطَّبقةُ الحاكمةُ من خلالها إلى بلد الجوع والفقر والبطالة والذُّل على أبواب المستشفيات، وأمام المصارف والسّفارات التي تعجُّ بطلبات الهجرة؟.
أين لبنان الكبير؟ وعن أيّة حُريَّةٍ وكرامةٍ نتحدَّث، وعن أيّة تضحيات، والوطن مليء بالتّنازلات والنّكسات والتّحدّيات، لا يحترمُ مواطنيه، الذين يَعبرون السُّفن وسط أمواج هائجة إلى المجهول؟.
نعم، نحنُ نُقدّم تضحيّات فِداء أرواحنا، فِداء العيش بكرامة، وليس فداء الوطن!.
ففي الثاني والعشرين من تشرين الثاني سنة ١٩٤٣، ظنَّ أسلافُنا أنهم حقّقوا دولتَهم، وأغفلوا أنها تكوّنَت على أساسٍ طائفيّ، لا علاقة لها بالدّولة المدنية، لا من قريب ولا من بعيد، وما لبثت أن سقطت في أزمات حُكمٍ في عامَي ١٩٤٨ و ١٩٥٨، ومن ثمَّ الحرب الأهلية من العام ١٩٧٥ حتّى العام ١٩٩٠، ولا زالت تُعاني الأزمات ذاتِها وإنْ بأشكالٍ مختلفة، أزمات حكمٍ وفسادٍ، تعطيل ونقص خدمات، هجرة ونزوح، قَتلى وشهداء، أَسرى ومنتحرين، ولا حلولَ تَلوح في الأفق القريب ولا البعيد.
بلدٌ فارغ رئاسيًّا، مَتروكٌ لقدرِه الأسود، لم يعرف شعبه معنى السِّيادة الفِعليَّة لكثرة ما عانى احتلالات الخارج، وما زال غير مستقلّ بقراراتِه وخياراتِه.
كلمتي اليوم أوجِّهُها إلى اللُّبنانييّن: هل كلّنا للوطن، هل نلبّي نداءه كلّ ما ساورَته الفِتَن؟ هل ما زِلنا نُقدّم استشهادًا في سبيلِه؟ أجوبةُ الأسئلةِ قد تكونُ مُحرِجةً، إلّا أنَّ الأكيدَ أنَّ الأجمل من الموتِ في سبيل الوطن، هو الحياةُ لأجلِ بناءه واستقلالِه الحقيقيّ!.