يحيى الإمام - خاص الأفضل نيوز
في كلِّ صراعٍ بين أمم الأرض لا بدَّ من تحديد العدوِّ والصديق، وذلك انطلاقاً من الفهم الصحيح لطبيعة الصراع أولاً، ومن مصالح المتصارعين وقدرتهم على تحقيق المكتسبات والإنجازات والانتصارات.
وفي الحقيقة يخلطُ كثيرون من أبناء أمتنا بين مفهوم العداء للصهاينة المحتلين لأرضنا وبين مفهوم العداء لليهود أو أتباع الديانة الموسوية السماوية، فيلبون بذلك رغبةً صهيونية ،لأنَّ معاداةَ السامية كعرق ( حسب زعمهم) أو اليهودية كدين هو مطلبٌ إسرائيليٌّ بحدِّ ذاته، و إسرائيل تريد أن تصوّرَ للعالم كلِّه أنَّ العربَ والمسلمين معادون لليهود لأنهم يدينون باليهودية أو يتحدرون من عرق ساميٍّ، رغم أننا ساميون، وذلك لكي تستدرَّ عطف الأمم ونصرة الشعوب كما حصل في نهايات الحرب العالمية الثانية مع ألمانيا، وهي تسخّر لأجل ذلك كلَّ طاقاتها وأبواقها الإعلامية التي تحترف ترويج الأكاذيب وتزوير الحقائق.
فالصهيونيةُ في نظر المجتمع الدوليِّ حركةٌ عنصريةٌ منبوذةٌ حسب ما عرفها و صنفها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو القرار رقم 3379 الصادر في 10 نوفمبر من سنة 1975، والذي ورد فيه : « أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». وقد طالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الصهيونية التي تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميّين.
أما اليهوديةُ فهي ديانة سماوية كتابها التوراة ونبيها موسى عليه السلام، ونحن نؤمن بالله وكتبه ورسله ولا نفرّق بين أحد من رسله، لأن دين الله واحد وهو الإسلام الذي يحتوي كلَّ رسالات السماء، وقد كان أولى لنا وأحرى بنا أن نعاديَ أتباعَ الديانات غير السماوية كالهندوسية أو البوذية أو الكنفوشية أو غيرها ولم نفعل طالما أنهم لم يحتلوا لنا أرضاً ولم يقاتلونا أو يخرجونا من ديارنا بغير حق، وقد عاش اليهود العرب في ظلِّ الدولة العربية الإسلامية القوية حقباً طويلةً من الزمن كمواطنين مسالمين ينعمون بالأمن ويتمتعون بكل حقوقهم الإنسانية دون أن يعتدي عليهم أحد، واليوم هناك من اليهود من هم أصدقاء لفصائل المقاومة الفلسطينية وهم يعادون الصهيونية و يناصرون القضية الفلسطينيةَ ويعتبرون "إسرائيل" كياناً محتلاً يخالف إرادةَ الله ويأتي على رأس هؤلاء مجموعة من الحاخامات اليهود ، لا بل أكثر من ذلك فإنهم يحمّلون الحركة الصهيونية مسؤولية المحرقة المزعومة أو ما تسمى ( الهولوكوست )في نهايات الحرب العالمية الثانية من أجل دفع اليهود الاندماجيين ( الذين اندمجوا بالمجتمعات الأوروبية ورفضوا مزاعمَ الصهيونية) للهجرة إلى " الوطن القوميِّ الموعود" أو إلى فلسطين المحتلة، وكذلك يحملونها مسؤوليةَ إحراق حارة اليهود في القاهرة مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي بهدف دفع اليهود العرب إلى قبول فكرة الهجرة عينها إلى الوطن البديل عينه .
ولعلَّ مشكلتنا الأهمَّ والأبرز تكمن في عدم فهم مقاصد الإسلام العظيم ولا سيما فيما يتعلق بالصراع مع العدوِّ الصهيوني، إذ قال لي أحد الأصدقاء الملتزمين الطّيبين ذات مرة : " وماذا عن قول الله سبحانه في القرآن الكريم : ( لتجدَنَّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا ...)؟ ، فقلت له : نعم بالتأكيد، ولماذا فهمتَ الآيةَ بالمقلوب؟"
فلسنا نحن من ينبغي أن نكون أشدَّ عداوةً لهم وإنما هم، أما نحن ففي الخطاب القرآني نفسه مطالبون بأن نجادلهم بالتي هي أحسن ومطالبون بأن ندعوَ إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة، ومطالبون بقوله تعالى : ( قل يا أهلَ الكتابِ تعالَوا إلى كلمةٍ سواء ٍ بيننا وبينكم أن لا نعبدَ إلا اللهَ ولا نشركَ به شيئا) والخطاب ليس للأعداء المحتلين وإنما هو من حيث المبدأ لأهل الكتاب من غير المحتلين أو داعمي كيان الاحتلال والذين يقيمون في كلِّ أصقاع الأرض علاقات ودية وتجارية مع العرب والمسلمين ...
وباختصار شديد نحن لا نعادي الساميةَ لأننا ساميون، ولا نعادي اليهوديةَ كدين لأننا نؤمن بالدين الواحد الذي يتمُّ اليهودية والمسيحية ويكمل تعاليم رسالات السماء السابقة، وهو الإسلام العظيم ،منطلقين من قوله تعالى : ( إنَّ الدّين عند الله الإسلام ومن يبتغي غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
نعم.. نعادي الصهيونيةَ لأنها عنصريةٌ مجرمة ذات أهداف شيطانية استيطانية توسّعية، ونعادي الاحتلال الصهيونيَّ لأنه احتلالٌ ارتكب المجازر ودنّس المقدسات وسرق منا تراب فلسطين والجولان وجنوب لبنان، ولا يزال يشكل تهديداً للأمة كلها، ونحن رغم ضعفنا، في هذه المرحلة، لا نقرُّ بما يسمى "دولة إسرائيل" ، لأن كلَّ كلمة في هذه العبارة كذبة: فالكيان الصهيونيُّ الغاصب لأرض فلسطين الحبيبة ليس دولةً لنعترف بها، ولا علاقةَ له بإسرائيل( وهو اسم نبي الله يعقوب عليه السلام) ، ولا قبائل الخَزَر الذين تهوّدوا لأسباب واعتبارات سياسية مصالحية هم بنو إسرائيل، ولأن بني إسرائيل حتى لو أنهم لم ينقرضوا كقبيلة كما تؤكد حقائق التاريخ، فإنهم رفضوا طلبَ نبي الله موسى عليه السلام بالمجيء إلى فلسطين وقالوا له : ( إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون )، فهم ليسوا من أهل فلسطين بدلالة صريحة من القرآن الكريم .. ثمَّ قالوا له أيضاً : ( إنَّ فيها قوماً جبّارين) وهذا دليل قرآني إضافي على أن الشعب الكنعاني الفلسطيني هو شعب الجبارين، كيف لا وهذا الشعب يثبت كلَّ يوم أنه شعب الجبارين وصاحب الأرض والحقّ ، ولن يكون آخر هؤلاء الجبارين أمثال الشهيد عمر أبو ليلى ولا الشهيد عدي التميمي ولا الأسير محمود العارضة الذي حفر النفق بملعقة للخروج إلى نور الحرية... ولينتظروا المزيد من الفداء و التضحيات، فلم يبقَ من عمر الاحتلال إلا القليل ....