إسلام جحا _ خاصّ الأفضل نيوز
وحدَها الكرةُ تستطيعُ أن تجمعَ العالم على هدفٍ واحدٍ وفي ملعبٍ واحدٍ أيضًا. في قطر _ ٢٠٢٢ فقط تعلو أصواتُ المشجِّعين و"الزَّمامير" على أصوات المدافع والصَّواريخ والتَّصريحات السِّياسيَّة النَّاريَّة في الدُّول التي تشهد حروبًا. أمَّا في لبنان، فالحربُ من نوعٍ آخر... حربٌ اقتصاديَّةٌ ساخنةٌ تُمارَسُ بأعصابٍ باردةٍ على الفقراء الذين لم يبقَ لهم بصيصُ أملٍ حتَّى في متابعة المباريات التي "استكثرتها" عليهم الطبقةُ السِّياسيَّة الحاكمة.
كان يتمنَّى عددٌ كبيرٌ من اللُّبنانيِّين متابعةَ كأس العالم على الأراضي القطريَّة مباشرةً، لكنَّ السِّياسات الماليَّةَ التي انتهجتها السُّلطةُ الفاشلة حجزت أموالهم، ومنعتهم من الحصول على أبسط حقوقهم، لتأتيَ اليوم وتخبرَ اللُّبنانيِّين على الملأ أنَّها لم تستطع الاستحصالَ على حقوقِ نقلِ مباريات كأس العالم مجَّانًا عبر الشَّاشة الرَّسميَّة اللُّبنانيَّة. هذا الواقع أجبر وزيرَ الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري الدُّخولَ في مفاوضاتٍ مع شركة "beIN Sports"، النَّاقل الرَّسميّ الحصريّ للمباريات في الشَّرق الأوسط، لنقلها لقاءَ مبلغٍ ماليٍّ بملايين الدُّولارات، في الوقت الذي خُصِّصَ مبلغٌ من قبل أحد المانحين لتغطية تكاليف بثِّ المباريات مجانًا في لبنان، إلا أنَّه تمّ التَّصرُّف بالمبلغ، وقد وضع القضاءُ اللُّبنانيُّ يدَه على هذا الملفّ، لتتحوَّل المشكلةُ من مجرّد تعقيداتٍ في المفاوضات إلى سرقة معلنةٍ لم تكن الأولى ولن تكونَ الأخيرة.
وبانتظار ما ستؤول إليه نتائج المفاوضات، يرى الكثيرون في بثِّ المباريات عبر تلفزيون لبنان، إن حصل فعلًا، تأثيرًا على الوكلاء المعتمدين، في حين أنَّ الكابلات غير المرخَّصةِ لن تتمكّن من المزاحمة نتيجة تقطع بثِّها. أمَّا في حال فرض مبلغٍ ماليٍّ لقاء المتابعة، فلن يتمكّنَ القسمُ الأكبر من محبِّي كرة القدم من الاشتراك في شركة beIN Sports، أو مع شركات الكابل المرخّصة، وبالتالي، لن يكونَ أمامهم سوى تسديد ١٠ إلى ٢٠ دولارًا للكابل غير المرخَّص، مع ما يتكبَّده هؤلاء من تحمُّل رداءة الصُّورة وتقطع البث.
نسبةُ المشتركين لا تتجاوز ٣٠٪ ببدل ٩٠ دولارًا، وهو ما يعادلُ ضعفَيْ مرتَّب موظفٍ، في الوقت الذي وصلت النِّسبة إلى ٨٥٪ قبل ٤ سنواتٍ بمبلغ ١٣٥ ألف ل.ل.، وذلك بسبب الوضع الاقتصاديِّ السَّيّء الذي يطال السَّواد الأعظم من الشّعب اللُّبنانيّ.
أمام هذه المشكلات، وبهدف متابعة المباريات دون انتظار نتائج المفاوضات، يلجأ كثرٌ إلى الكابل غير الشَّرعيِّ لتشجيع منتخبهم المفضَّل بتكلفة ٢٠ دولارًا عوضًا من ارتياد المطاعم والمقاهي للمتابعة، الّتي ستتكبّدُ بدورها مبلغًا يبدأ من ٣ آلاف دولار إلى ١٥ ألف دولار لتلك التي تزيد سعتها عن ٥٠ مقعدًا.
جديدُ المعلومات يشير إلى أنّ الجانب القطريَّ وافق على توقيع العقد مع لبنان، والذي باتت تفاصيله جاهزةً، بما فيها آليَّّة دفع المبلغ الذي يتراوح بين ٤ و٥ ملايين دولار لنقل كامل المباريات أرضيًّا وعبر "الكابل"، إلا أنّ العائق هو في قانونيّة دفع لبنان مثل هذا المبلغ الذي يحتاج إلى قرارٍ من مجلس الوزراء، والى آليّة قانونيّة تبدو مستعصية، خصوصًا بعد إقرار قانون الشراء العام.
وعليه، فإنّ تلفزيون لبنان لن ينقلَ المباراة الافتتاحيّة التي ستجري اليوم، بانتظار حسم المسؤولين لموضوع دفع المبلغ إلى الجانب القطري الذي، إن حصل، فسيكون عبر إحدى الوزارات.
الكلامُ الآنفُ الذِّكر يعني أنّ المفاوضات التي أجراها وزير الإعلام تمكّنت من الحصول على موافقةٍ قطريّةٍ على دفع لبنان مبلغًا هو أقلّ بكثيرٍ من المبلغ الذي دفعه لنقل مباريات مونديال ٢٠١٨.
وفي خضمِّ المستنقع الذي يغرق في وحوله اللّبنانيُّون إلِّا أنّهم يظلُّون باحثين عن فسحة ضوءٍ لتشجيع منتخبهم المفضَّل، ورفع أعلام الدُّول المشاركة في مونديال قطر ٢٠٢٢، وهنا تُطرَح إشكاليَّةُ قانونيّةِ رفع علم دولةٍ أجنبيَّةٍ في لبنان، أم أنَّ ما يجوز للرِّياضة لا يجوز لغيرها؟. القانون اللّبنانيُّ واضحٌ لجهة رفع أعلام دولٍ أجنبيَّةٍ، ففي القانون الصَّادر ١٩/١٠/١٩٤٥ المُعَنون "رفع العلم اللُّبنانيّ والأعلام الأجنبيَّة" يقرُّ في المادَّة ١ ب"عدم َجواز رفع علمٍ غير العلم اللُّبنانيّ على أراضي الجمهوريّة اللُّبنانيَّة". كما تنصُّ المادة ٢ من القانون على أنه "لا تُرفَع الأعلام الأجنبيّة إلَّا على دور وسيّارات البعثات السّياسيَّة والقنصليَّات وقادة الجيوش الأجنبيّة، وعلى ثكناتها، وعلى المراكب الأجنبيّة، وفقًا للتّقاليد الدَّوليَّة المرعية. أمّا في الحفلات العامّة الرّسمية فلا يجوز رفع أيِّ علمٍ غير العلم اللّبنانيّ إلا بعد استئذان وزارة الدَّّاخليَّة وموافقتها". وتنصّ المادة ٣ على أنّه "كلّ من يخالف أحكامَ هذا القانون يعاقبُ في العقوبات المنصوص عليها في المادّة ٣٤٥ من قانون العقوبات اللّبنانيّ القاضية بالحبس من شهر إلى سنة، وبدفع غرامة ماليَّةٍ قدرها ٢٠٠ ألف ل.ل.".
إذًا، يحاول اللُّبنانيُّون التّأقلمَ مع هذا الوضع المستجدِّ غير الصَّادم بالنِّسبة لهم، ولكن تبقى أزمة تقنين الكهرباء في معظم المناطق بنسبة ٢٢ إلى ٢٤ ساعة في اليوم مشكلةً حقيقيَّةً، خصوصًا في ظلِّّ ارتفاع أسعار المحروقات وبدلات ساعات كهرباء المولِّدات، الأمر الّذي يرفع البطاقة الحمراء في وجه لبنان وبصافرة حكم صارمة ليبقى حتى غير متفرِّج ولو على مقاعد الانتظار..!.