صلاح زكي أحمد - خاصّ الأفضل نيوز
في شهر ديسمبر من عام ١٩٦٩من القرن الماضي، عُقدّ مؤتمر القمة العربيِّ في مدينة الدار البيضاء المغربية، وبعد يوم واحد من بدء أعمال المؤتمر هّمسّ الملك الحسن الثاني ملك المغرب في أذن الرئيس جمال عبدالناصر ليطلب منه اصطحابه بعد نهاية أعمال الجلسة إلى موضع غير بعيد من مقرِّ المؤتمر.
وافق الرئيس على ذلك، وذهبا حيث أراد الملك، فوجدا نحو خمسة آلاف مواطن مغربيٍّ يريدون أن يتحدثوا إلى الرئيس في وجود الملك...
وبلفتةٍ ذكية من "ناصر" توجَّهَ إليهم طالباً منهم أن يستأذنوا في ذلك العاهل المغربيِّ... الذي أذنَ لهم".
تّحدّثَ كبيرهُم، موجهاً الخطابَ إلى الرئيس، قائلاً له:
"سيادةَ الرئيس: نرجو منك أن تطلبَ من الملك أن يُدخٍل إلى بلدتنا، والتي يسكنها أكثر من ثلاثين ألف شخص، خدمات الماء والكهرباء، فقد ذهبنا إلى كلِّ الجهات بما فيها المُحافظ والوزير المُختصّ، حتى وصلنا إلى الديوان الملكيّ، ولكن لم يستمع إلينا أحد، وهذا المطلبُ مّرّ عليه عدَّة سنوات، ولم نَسمع وعداً أو جواباً".
ابتسم الرئيس، مُخاطباً كبيرهم:
"لماذا تخاطبونني وأمامكم، جلالة المل؟؟"
عندها سمع ما لم يكن يتوقعه أحد.... قال كبيرهم:
"لأنك أنت كبير العرب... وعندما تضيقُ بنا الشّكوىّ لا نُقدمها بعد الله إلاّ لكبيرنا، وليس لنا كبير في هذه الدنيا سواك..!!
ابتسم الرئيس وقال:
" بوصفي مواطناً عربياً، واعتبروني مواطناً مغربياً سوف أتكلم بالنيابة عنكم لو أذِنتُم لي مع جلالة الملك"...
وعندها نَظر الرئيس إلى العاهل المغربيِّ قائلاً له:
"جلالة الملك اسمح لي بهذه الصفة أن أضُمّ صوتي إلى صوت أهلي في هذه البلدة، وأقدم طلباً باسمهم، بدخول الماء والكهرباء!!"
ساعتها، أعلن الحسن الثاني موافقته، واعداً الرئيس ومواطنيه على تنفيذ طلبهم على الفور....
حينها ارتفع هتافُ الآلاف بحياة الرئيس، والملك "كمان"....
انتهت الحكايةُ ولم تّنته دروسها، وقائلها لست أنا أو واحد من المسؤولين الذين رافقوا الرئيس من القاهرة، بل الذي كتبها هو الدبلوماسي المُخضرم والشاعر السوداني الكبير "صلاح إبراهيم" الذي كان يشغل مّنصبَ سفير بلاده في الجزائر الشقيقة آنذاك وكان مُشاركاً في أعمال مؤتمر قمة الدار البيضاء بوصفه عضواً في وفد بلاده ، ونشرها في مجلة اليوم السابع الباريسية في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي والتي كان يرأسها المناضل الفلسطيني "بلال الحسن".
هذا عن المصدر، أما عن الدرس الباقي فهو:
"عندما يشعر المواطن العربيُّ أنه ابن أمة واحدة تمتدُّ من الماء إلى الماء، تصبح كلمتهم قوية ومسموعة، والأهم من ذلك تصبح كلمتهم على قلب رجل واحد..
ما أنبله من رجل ...)
إلى شعب المغرب الحبيب، الذي رفع علم فلسطين في كلِّ ملاعب بطولة كأس العالم في مونديال قطر ٢٠٢٢، تحية لفريقه الوطنيِّ الذي رفع رأس العرب، وأكد وحدتهم، وحباً في فلسطين.
رحم الله كبير العرب..