يحيى الإمام - خاصّ -الأفضل نيوز.
عندما لعب منتخبُ المغرب الحبيب منذ أيامٍ قليلة مع منتخب إسبانيا ضمن مباريات كأس العالم في قطر، تذكرنا أنَّ الدولتين المتنافستين اليوم قد كانتا بالأمس تابعتين لدولةٍ واحدةٍ تُسمَّى (دولة الموحّدين)، التي قضت على "دولة المرابطين" وحلَّت محلَّها، وتخضعان لحكم سلطانٍ واحدٍ قويٍّ ومؤمن هو السلطان يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، المدفون على هضبة من هضاب بقاعنا العزيز، وقد صارت هذه الهضبةُ وما حولها فيما بعد تحملُ اسمه الكبير: (بلدة السلطان يعقوب).
وعندما قرأنا عن السلطان الزَّاهد، ما نُشرَ على الإنترنت وما أتحفَنا به غوغل، وجدنا ما يستفزنا كبقاعيين ولا يقرّ به حتى المغاربةُ أنفسهم: أنَّ السلطان قد دُفن في مراكش عام 1199 للميلاد، وفي ذلك مجافاةٌ للحقيقة ومخالفةٌ للواقع لأنَّ السلطان قد مات ودُفنَ في أرضنا وله مقامٌ قربَ الجامع الذي بُني قربَه ويحملُ اسمه، وهذا المقامُ يقصده الناسُ من كلِّ المناطق اللبنانية، حتى أنَّ بعضَ البُسطاء الطيّبين من الناس يتوسّلون إلى الله به لأنه وليٌٌ من أولياء الله الصالحين ،ويقدمون له النُّذورَ ويحرقون أمام ضَريحِه البخور.
فمَن هو السلطان هذا؟ ولماذا أحبَّه الناسُ في لبنان وفي المغرب كُلَّ هذا الحبّ؟ .
أبو يوسف يعقوب بن يوسف أو المنصور بالله هو ثالثُ خلفاءِ الموحِّدين في بلاد المغربِ والأندلس، وقد خلف والدَه أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وحكم من سنة 1184 حتى وفاته سنة 1199، بعد عودته من رحلة الحجِّ التي كانت في آخرها زيارة الجامع الأقصى في فلسطين ، ويقول العارفون من أهلُنا أنه عند مروره في وادي البقاع عائدًا من الأقصى زَهدَ بمُلكِه واعتلى وحاشيته جبلاً في بُليدة اسمها حَمّارة وهي مركزُ أعمال البقاع العزيز (كما ورد في كتاب الفتوحات العربية)، وراح يتعبدُ في هذا المكان والتحقَ به بعضُ المريدين والمتصوّفين من أهل منطقتنا وراحوا يتعبدون معه ويتقربون إلى الله بالزُّهدِ والتَّصوُّف معه.
وقد كان عهدُه قبل ذلك قد تَميَّزَ بالمشاريع الكبيرة فبنى مسجد الكتبية في مراكش وشرَع ببناء أكبر مسجدٍ في العالم وهو (مسجد حسان) في الرباط.
وكان يتردَّدُ عليه ابن رشد وابن زهر الأندلسيّ ويجالسانه في بلاطه، ويذكرُ التاريخُ أنَّه احتضن ابن رشد ومحمد الوغليسي في بلاطه وحماهما، ويذكر التاريخ أيضاً انتصاراته العظيمةَ التي كان أهمها أنه هزمَ ألفونسو الثامن ملك قشتالة في معركة الأرك في 19 يوليو 1195م، وبعد هذا النصرِ اتَّخذَ لنفسه لقبَ «المنصور بالله».
ولا بُدَّ من الإشارة إلى محبة أهلِ المغرب الشقيق لهذا السلطان واعتزازهم به وبالمآثر التي تركها خلفَه، فعلى سبيل المثال أذكرُ حين كنَّا في مخيم الشباب العربيِّ في دار الحنان، تقدمت إليَّ رئيسةُ الوفد المغربيِّ مُنية بو بكري وهي تحملُ هاتفها وتحدِّث أباها، وسألتني: (أين نحن في لبنان؟ في أية منطقة؟ وكم نبتعدُ عن العاصمة بيروت؟) .
فقلتُ لها: " أنتِ في بلدة المنارة في البقاع الغربيِّ تبعدين عن بيروت 68 كلم، وأنتِ على مسافةٍ واحدةٍ تقريباً من بيروت ودمشق ومشارف الجليل الأعلى من فلسطين الحبيبة".. ثمَّ قلتُ لها: (مهلاً مهلاً يا مُنية.. قولي لأبيكِ أنك في الأرض التي زهدَ فيها سلطانكم بملكه، فأنت على بُعدِ عشرات الأمتار من ضريحِ السلطان يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وضريح أخته خديجة...)، فنظرت إليَّ بدهشةٍ وفرح، وراحت تُحدِّثُني عنه وعن فخرِهم واعتزازهم به ،ثمَّ طلبت حافلةً لتقلَّها والوفدَ المغربيَّ إلى بلدة السلطان يعقوب لكي تنفذَ وصيةَ والدها وتقرأ له الفاتحة، وفي اليوم التالي عرفتُ منها أنَّ أجملَ الذكريات ستكون تلك الصور التي التقطتها لنفسها وللوفد المشارك عند ضريح هذا السلطان المؤمن: أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن والذي كان علامةً فارقةً في تاريخ المغربِ الشقيق.