قمر صالح - خاصّ الأفضل نيوز
طوى المونديال صفحته المشرقةَ على العالم، ليعودَ كلٌّ إلى واقعه، ومن بينهم عودة اللبنانيين إلى فواجع واقعهم القاتمة. وفعلًا بعدما صرفت السيارات المؤيدة للمنتخب الأرجنتينيُّ وقودها بالأمس، استفاقت اليوم على ارتفاع أسعار المحروقات، وبينما كانوا يستمتعون بمشاهدة المباريات، ويدفعون المئات، لأن الدولة عجزت عن تأمين كلفة مشاهدة المونديال على تلفزيون لبنان الرسميّ، واصلت العملة الوطنية انهيارها، لتقترب من تسجيل الـ ٤٤ ألفًا للدولار في السوق السوداء، والقادم أعلى.
أوساطٌ اقتصادية أفادت بأنَّ هناك أسبابًا خفيَّةً لارتفاع الدولار المتواصل، إلى جانب تأثير الزيادة على الرواتب في القطاع العام، تزامنًا مع عدم بدء تأثير الجباية على أساس ١٥٠٠٠ ألف للدولار الجمركي، إضافة للجوء عدد من المصارف إلى تأمين المبلغ المطلوب من قبل مصرف لبنان، قبيل انتهاء المهلة المعطاة لهم لتسوية أوضاعهم، كي لا يلاقوا مصير "الإقفال" كما في بنك "البركة".
وكشفَ خبير الاقتصاد جاسم عجاقة أنَّ المضاربة هي التي تؤدي إلى رفع السعر، ومصرف لبنان لا يمكنه التدخُّل في ضبط السوق نظراً لانخفاض الاحتياطيِّ لديه، إنما تدخله بات في إطار تجفيف السوق من الليرة اللبنانية".
وفيما يخصُّ التخوُّف من زيادة الأسعار على المواد الغذائية، بسبب الزيادة على الدولار الجمركيّ، أكّد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، أنّ تأثير ارتفاع الدولار الجمركيِّ لن يكون جذريًّا على أسعار المواد الغذائية بل على نحو 6 في المئة من الأصناف.
إذًا مصرف لبنان، لا يستطيع التدخُّل للجم ارتفاع سعر الدولار المهول، والحاكم غير مكترث، فثروته البالغة ٢٣ مليون دولار، حسب تصريحٍ سابقٍ له، غالبًا موجودة خارج لبنان، كما باقي الزعماء والسياسيين، أي لا خطر عليه.
والدولة اللبنانية، لا تحرّك ساكنًا ولا تحاول محاسبة الصرَّافين الذين يسرقون أموال الناس، لأنَّ معظمهم يحتمون تحت أجنحة السياسيين، فإن حاولت القوى الأمنية التدخُّل، في محاولةٍ لوضع حدٍّ للتجاوزات والنصب تحرَّكت "الوسايط" وخرج الصرَّاف "النَّصاب" وكأنَّ شيئًا لم يكن.
في لبنان، لم يعد بالإمكان تسمية المشاكل الاقتصادية بـ "الانكماش" كما هو الحال في كلِّ دول العالم بفعل انعكاسات التضخم وسلبياته، بل باتت أقرب لـ "الانهيار الاقتصاديِّ اللبناني"، ومسار مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدوليِّ خاتمته مغلقة لأن أحد أهم شروط صندوق النقد للتفاوض مع لبنان لتقديم المساعدة غير موجودة ولن تكون موجودة، فتوحيد سعر صرف الدولار وتحريره في الأسواق غير متاح كما ذكرت أعلاه، وتقديم التقديرات للخسائر المالية بأرقام موحدة بين مصرف لبنان والحكومة أي وزارة المالية غير ممكن لأسبابٍ سياسية بحتة، وجهلٍ وتغطيةٍ للسرقات على مرِّ السنوات. أما بندُ إقرار خطة إصلاح شاملة تتضمن إعادة هيكلة للقطاع العام وترشيقه وتوفير شبكات حماية اجتماعية، فهي مهمات صعبة على دولة لبنان الكبير، الذي يختلفُ زعماؤه على قانون بسيط، فيتغيَّبون عن الجلسات التشريعية ولا يكملون النصاب إذا لم تكن الجلسة لمصلحتهم، وإن حضروا فتكون الجلسات أقرب لمسرحيَّةٍ بهلوانية أبطالها "توم أند جيري"، فكيف لهم إقرار خطة إصلاحية.
مدخلُ التعافي الاقتصاديِّ عبر صندوق النقد الدولي مغلق حتى إشعارٍ آخر، بل أكثر من ذلك، ربما تحصل الانتخابات الرئاسية ونشهد ولادة حكومة جديدة، ولا نشهد لا خطة تعافي ولا لجم لارتفاع أسعار الدولار.
إذًا "باي باي" للتعافي الاقتصاديِّ في المستقبل القريب.