ممتاز سليمان - خاصّ الأفضل نيوز
بعد الفراغِ الحاصلِ نتيجةَ الانتخابات النيابية الأخيرة، والفشل في تشكيل حكومة جديدة، واستمرار حكومة تصريف الأعمال في تسيير المرفق العام وسط نظرياتٍ تطرحُ حول عدم أهليتها ودستوريتها وشرعيتها، مرورًا بالشغور الرئاسيِّ الحاصل منذ نحو شهرين، وفشل المجلس النيابيِّ في انتخاب رئيسٍ جديد، نكادُ نصلُ إلى استحقاق دستوريٍّ آخر مهمٌّ وحيويٌّ يتمثل في الانتخابات البلدية.
فعلى بعد عدة أشهر من الموعد المضروب لإجرائها في أيار المقبل، خصوصًا بعد أن سبق وتمَّ تأجيلها عامًا نتيجة تزامنها مع الانتخابات النيابة العام الماضي، تبرز تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاستحقاق الحيويُّ سيتمُّ في موعده أم سيكون حلقةً تُضافُ إلى مسلسل الفراغ الذي يفتك بالبلاد.
لا شكَّ بأنَّ البلديات تلعبُ دورًا محوريًا في الحياة اليومية للمواطنين انطلاقا من صلاحياتها ومسؤولياتها الكبرى، ولكن هذا الدور تراجع بشكل كبير بسبب الانهيار الاقتصاديِّ الذي عصف بالبلاد، والجنون الذي حلَّ بسعر صرف الدولار الذي سيلامس الخمسين ألفا عند نهاية العام.
وما زادَ في الطين بِلَّة أنَّ موارد البلديات ضعيفةٌ أساسًا نتيجة ضعف الجباية والموارد، لا سيّما في البلدات الصغيرة، علمًا أنَّ التحويلات المالية إلى الصندوق البلديِّ المستقلِّ التي كانت تشكل الرافعة المالية للبلديات لا تكاد تكفي اليوم لسدّ مرتبات الموظفين، ما جعل البلديات قاصرةً عن القيام بأي من المشاريع الإنمائية والتطويرية. وزارة الداخلية على لسان وزيرها القاضي بسام مولوي أكدت جهوزيتها لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها المحدد وسط استعداد لوجستيٍّ تامّ.
لنتفق بدايةً على أنه لا يمكنُ الاحتجاج بعدم إمكانية إجراء الانتخابات في ظلّ حكومة مستقيلة لا صلاحيةَ لها في صرف الاعتمادات كونها حكومة تصريف أعمال؛ لأن ثمةَ رأي في هذا الإطار صادرٌ عن هيئة التشريع والاستشارات خلال العام 2013 قضى بأنه من صلاحيات وواجبات حكومة تصريف الأعمال الاجتماع وإقرار الاعتمادات اللازمة لإجراء الانتخابات البلدية كون هذا الأمر يعتبرُ من قبيل تصريف الأعمال. ولكن، يبقى التساؤل هل هناك رغبةٌ لدى الطبقة السياسية الحاكمة في تمرير هذا الاستحقاق، وما هي الحلول البديلة؟؟
سابقًا احتجَّ المسؤولون بتزامن الاستحقاق النيابيِّ والبلديِّ مع بعضهما ما اضطرهم إلى تأجيل الأخير، ولكن اليوم لم يعد هناك من عائق فعليّ، ولكنَّ النيّات التعطيلية تبدو متجهةً نحو عدم إجراء الاستحقاق.
فعليًا ودستوريًا، ماذا سيحصل؟؟ وما هي الخياراتُ والحالاتُ التي سنكون بمواجهتها.
الخيار الأول: أن يعمدَ مجلسُ النواب إلى إقرار قانون يقضي بتمديد ولاية المجالس البلدية على شاكلة ما حصل العام الماضي، ولكن إذا كان التمديدُ السابق يجد له حججًا قانونية ودستورية تدعمه أهمها التزامن بين استحقاقين واستحالة إجرائهما معًا، فإنَّ أيَّ تمديدٍ جديدٍ سيكون لا دستوريًّا بامتياز؛ لأنه سيناقضُ مبادئ أساسية أهمها احترام المواعيد الدستورية، وتمديد وكالة شعبية انتهت، وخرقاً لمبدأ تداول السلطة، وسيجد من يطعن فيه من النواب على غرار ما حصل في العام 1997 عندما قرر المجلس النيابيُّ تمديدَ ولاية المجالس النيابية، فتقدَّمَ عددٌ من النواب بطعنٍ أمام المجلس الدستوريِّ حينها ليصدرَ القرار رقم 1\1997 الذي قضى بإبطال قانون التمديد لعدم الدستورية لتحصل انتخابات المجالس البلدية خلال العام 1998 لأول مرة بعد عقود.
أمّا الخيار الثاني: فهو أن يُتركَ كلُّ شيء على حاله دون اتخاذ أيِّ إجراء، أي دون إجراء انتخابات ودون صدور قانون بتمديد ولاية المجالس البلدية، عندها نكون أمام خيارين،
الأول: أن تستمرَّ المجالسُ البلدية بتصريف، وتسيير الأعمال بحكم الأمر الواقع عملًا بمبدأ استمرارية المرفق العام، بالرغم من كون تلك المجالس أضحت غير موجودة قانونًا بحكم الدستور، وهذا الخيار هو الأرجح.
والخيار الثاني: أن تعتبر المجالس البلدية منحلةً وتنقل صلاحياتها إلى المحافظين والقائمقامين عملا بالقانون أيضًا، وهذا من شأنه أن يجرَّ ويلاتٍ وتعقيداتٍ لا آخر لها في تعطيل مصالح الناس.
أشهرٌ قليلةٌ ستظهر لنا ما إذا كان مسلسل الفراغ قد تمدد واكتمل، أو أنّ ثمةَ بصيص نور سيلوح في النفق مبشرًا بعودة المؤسسات الدستورية إلى الاستقامة.