ريما الغضبان – خاصّ الأفضل نيوز
يسجّلُ لبنانُ الفراغَ الرئاسيَّ الرابع منذ العام ١٩٨٨ وحتى اليوم، فمع انتهاء ولاية كلّ رئيسٍ للجمهورية الّلبنانيّة أصبح لزامًا على الشّعب الّلبنانيّ أن يعيش في أزمة فراغٍ رئاسيّ؛ لأنّ الطّواقم السّياسيّة التي اختارها لم تصلُح للمهمّة. فبين مصالح الأحزاب والأفراد السّياسيّة، تلاشت مصلحةُ الوطن والمواطن، وباتت أكبر هموم السّياسيّين "مين الفريق الربحان"؟.
بدأت أزمةُ الفراغات الرّئاسيّة في لبنان المرّة الأولى عام ١٩٨٨، بعد انتهاء ولاية الرئيس السّابق أمين الجميّل، ليُنتخب بعده الرئيسُ السّابق رينيه معوّض عام ١٩٨٩. لتسجل الجمهورية أول شغورٍ رئاسيٍّ في لبنان، ولكنه لم يكن الأخير. ففي العام٢٠٠٧، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق أميل لحود عاد ليعيش لبنان دون رئيس إلى غاية ٢٥ مايو/أيار ٢٠٠٨. وفي العام ٢٠١٤، انتهت مدة ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، ليعود الشغور الرئاسيُّ مجددًا نحو العامين. ومع انتخاب الرّئيس السابق ميشال عون انتهت أزمة الفراغ لتكرر من جديد مع رحيله...
وبينما يغرقُ لبنان والشّعبُ الّلبنانيّ بالأزمات التي تتفاقم كلّ ساعةٍ، ما زال "الطقم السياسيّ" الذي يعيشُ حياته البرجوازية غير مكترثٍ بأوجاع الناس، ولا يريد أن يتفقَ على رئيسٍ جديدٍ للبلاد لعلّه ينتشلُ الشعب من مصائبه. وكأنه تقليدٌ جديدٌ ابتكروه بعد كلّ ولاية تحت عنوان "فراغ رئاسي حتى إشعارٍ آخر".
على عكس العقود الثلاثة الماضية، التي استطاع فيها النّظام السّياسيّ التعايشَ مع حالة الفراغ، وإبقاء البلد "واقف على إجريه"، فإنَّ الفراغَ الرئاسيَّ الجديد يُنذر بمزيدٍ من الفوضى السّياسيّة، والانهيار الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ في ظلّ حكومة تصريفٍ للأعمال تبدو عاجزةً عن اتخاذ قراراتٍ ضروريةٍ في ملفاتٍ مُلحّةٍ ومستعجلةٍ. يعاني لبنان اليوم من انهيارٍ اقتصادي غير مسبوق منذ بداية العام ٢٠١٩، دون أية حلوّل جديّة من السُلطة الحاكمة، فكيف ستكون المشاهد في الأيام القادمة دون رئيسٍ للجمهورية؟.
يُجمع مختلفُ السّياسيّين الّلبنانيّين اليوم على اختلاف توجّهاتهم على أزمة النظام السّياسيّ، ولكنهم لا يملكون تصورًا عن توجّه الأمور اليوم، وعما إذا ما كان هناك بوادر قريبة لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية. ولكن، على الرغم من جهلهم لمصير الدّولة في الأيام القادمة، لا يمكن إلغاء دور السّياسيين في انقاذ البلاد حيثُ تتمثّل الخطوة الأولى للخروج من مأزق الفراغ بتوافق الأطراف السّياسيّة على مرشحٍ رئاسيٍّ يحظى بإجماع الأطراف الفاعلة.
على مدى ٩٧ عامًا، لم تنتقلِ السّلطة من رئيس إلى آخر بطريقةٍ ديمقراطيةٍ وسلسلةٍ إلا خلال عهدين فقط من أصل ١٣، وكأنها لعبةٌ سياسيةٌ لإظهار قوة الفرقاء السّياسيّين و"كلمة مين بتمشي"، لتتلاشى قوة لبنان الاقتصادية يومًا تلو الآخر، فمع انهيار العملة الّلبنانيّة بتنا نحتاجُ إلى معجزة تنقذُ البلد، أو إلى تكاتف لبنانيٍّ إقليميٍّ دّوليّ، وإلا سيبقى لبنان في عهدة "الفراغ الرئاسيّ" والآتي أعظم...!.