يحيى الإمام _ خاصّ الأفضل نيوز
كان عمرُ بن الخطاب رضوانُ الله عليه يضحكُ ثمَّ يبكي كلما تذكرَ أحوالَ أهل الجاهلية ويتساءلُ أمام مجالسيه: كيف كان قومه يعبدون إلهاً من تَمرٍ طول النهار وإذا جاعوا في الليل أكلوه ؟
نتذكرُ هذا الأثرَ كلما اختلفَ اللبنانيون حول تطبيق الدستور أو تفسيره وهم كلهم يدافعون عن مبدأ " سموّ الدستور" وضرورة احترامه والتزام بنوده، فإذا اقتضتِ الحاجةُ إلى تعديله أو القفز فوقه توافقوا على تعديل إحدى موادِّه أو فقراته (استثنائياً ولمرةٍ واحدةٍ فقط)، هذه العبارة التي تكررت مراراً في تاريخنا المعاصر إما من أجل التمديد لولاية رئيس وإما من أجل الإتيان برئيس كان يشغلُ منصباً في الوظيفة العامة ولم يستقل قبل ستة أشهر منعاً لاستغلال نفوذه في الوظيفة العامة أو في إدارة المرفق العامِّ لأغراض انتخابية ووفقاً لأحكام الدستور.
والمضحكُ المبكي فعلاً أنَّ الدستور اللبنانيَّ الذي يعتبر من الدساتير الجامدة كالدستور الفرنسيِّ ولا يعتبرُ من الدساتير المرنةِ كأكثر دساتير الدول التي تعدل دوريًّا مثلما تُعدَّلُ القوانين بغيةَ مواكبةِ العصر وتحقيق المصالح الوطنية العليا، وبالتالي فإنَّ أيَّ تعديل لبند من بنوده أو فقرة من موادِّه إنما يتمُّ بطريقة معقدة ويمرُّ بثلاث مراحل: أولاً من خلال اقتراح قانون للتعديل في المجلس النيابيّ، ثمَّ تقديمه من مجلس الوزراء بصيغة مشروع قانون بعد دراسته والتصويت عليه، ثم موافقة الهيئة العامة للمجلس النيابيِّ بغالبية الثلثين على هذا التعديل.
وإذا كانت اتفاقيةُ الطائف التي ضُمَّت إلى الدستور اللبنانيِّ بموجب التعديل الدستوريِّ رقم ١٨ بتاريخ ٢١ / ٩ ١٩٩٠، فهذا يعني أنَّ الدستور اللبنانيَّ قد عُدِّلَ أكثرَ من ثماني عشرةَ مرة، لأنَّ تمديدَ الولاية الدستورية لكلٍّ من الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود ،وقبول ترشيح كلٍّ من قائد الجيش العماد إميل لحود وقائد الجيش العماد ميشال سليمان، كان يرافقه أو يسبقه تعديلٌ دستوريٌّ وتُضافُ إليه عبارة : " استثنائياً ولمرةٍ واحدة فقط".
واليومَ نطرحُ هذا الكلامَ بعد أن احتدمَ الصراع، في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، بين الأفرقاء اللبنانيين ووصل إلى عنق الزجاجة ،حين عجز كلُّ اصطفافٍ أن يؤمِّنَ أغلبيةَ الثلثين في الدورة الأولى من كلِّ جلسة، والأكثرية المطلقة في الدورة التي تلي (أي النصف زائد واحد) فانفتحَ الأمر كالعادة على التدخل الخارجيِّ وتحركت الاتصالاتُ الوساطاتُ بين قوى التأثير الفرنسية الأمريكية السعودية القطرية الإيرانية على الأقل، وقد رشح من هذه التحركات كما يرى المراقبون طرح مواصفاتٍ و أسماءَ جديدةٍ من خارج الطبقة السياسية الحاكمة للتوافق عليها، فإما أن تتوافق قوى التأثير هذه على شخصية اقتصادية للإنقاذ كالوزير جهاد أزعور، أو أو تفرض شخصية الوزير سليمان فرنجية ومصداقيته وصراحته وعلاقاته التاريخية نفسها على المتباحثين أو المتعهدين من أصحاب القرار والتأثير، فيفرضوا هذا الخيارَ على وكلائهم في لبنان، أو أن يذهبوا إلى تسوية تأتي بعماد جديد وعون جديد يكون أكثرَ قدرة على الجمع والإنقاذ ويقود السفينةَ إلى برِّ الأمان، وإذا ما حظي هذا الخيار الأخير بالتوفيق وصار قابلاً للتحقيق فإنه يحتاج إلى تعديلٍ دستوريٍّ تُكتب في آخره عبارة : (استثنائياً ولمرة واحدة فقط).
وهكذا فإنَّ اللبنانيين يدافعون عن الدستور ويمنعون المساس به حتى لو تعطَّلَ عملُ المؤسسات الدستورية أو طالت مدة الفراغ الرئاسيِّ أو الحكوميّ، وإذا جاعوا أكلوه مثلما كان العرب في الجاهلية يصنعون أصناماً من تَمرٍ ويقدسونها ويعبدونها وإذا جاعوا يأكلونها.