وفاء ناصر - خاصّ الأفضل نيوز
تكفيكَ زيارةٌ واحدةٌ إلى السوق أو السوبرماركت متنقلًا بالسيارة ومتوقفًا عند محطات المحروقات لتلمسَ امتعاضَ المواطنين؛ صافرةٌ هنا، تجهّمُ وجهٍ هناك، "شوبرة" يدٍ مصحوبةٌ بكلماتٍ غير مفهومة، عباراتٌ ساخطةٌ وغيرها من المظاهر التي تعكس قساوةَ المشهد ووقعه على أفراد هذه الطبقة، فالأسعارُ المدولرةُ فاضحةٌ في ظلِّ لا نهاية للاحتياجات.
في مشهديةِ المجتمع اللبنانيِّ يبدو جلياً أنَّ الطبقةَ المتوسطة، قبل الأزمة الإقتصادية والمالية التي عصفت بواقعه، كانت ضابطَ إيقاعِ التوازن بين الطبقات الاجتماعية. وبوجودها لم تكنِ الهوةُ شاسعةً وعميقةً بين رفاهية البرجوازيين وبساطة الكادحين كما الآن.
غير أن مفاعيل الأزمة، خلطت أوراقَ الطبقية المجتمعية وقامرت بالطبقة المتوسطة التي ينضوي تحتها أغلبُ موظفي القطاع العام ومؤسسات الدولة، مظهرة بالمقابل فرزًا جديدًا، باعدَ بين الطبقتين الفقيرة والغنية وأطلق العنان لجموح ما يعرف بالكارتيلات المتحكمة بمفاصل الإقتصاد اللبنانيِّ والحياة اللبنانية، حتى بات واضحًا أنَّ نشوء رأسمالية الاحتكارات ما هو إلا نتيجة حتمية لتحلل بنية المؤسسات العامة.
وفي بلدٍ يعتمدُ الرأسمالية في نشاطه الإقتصاديِّ ويغزو الجشعُ نفوسَ بعض أبنائه الساعين إلى الكسب الجامح للمال بغض النظر عن الوسيلة، تبخّر شغف الحياة لدى قسم من اللبنانيين ،وضاعت فرحةُ الأعياد إلا ما ندر بفعل "النيو رأسمالية" اللبنانية التي عمدت إلى تقييد آفاقها وجعلتها رهينةَ ذهنيتها المبرمجة على الاستفادة وتكديس الأوراق الخضراء، متجاهلةً في الوقت عينه حاجةَ الأفراد إلى تعاطفٍ من نوع آخر يحيي أرواحَهم المنهكةَ التي لا تزال على قيد الحياة من قلة الموت.
فلا تغرنَّكمُ الطرقاتُ المزينةُ والأشجارُ المضيئةُ والاحتفالاتُ المقنعة، الباطنُ يخفي الوجهَ القبيحَ لواقع أفراد هذه الطبقة التي خسرت نسبةً كبيرة من قدرتها الشرائية، قياسًا لما كانت عليه.
وما مفاهيمُ التكافل والتضامن الإجتماعيِّ والتشارك إلا شماعة علّق عليها متشدقو الإنسانية ألسنتهم للتهرب من مسؤولياتهم الكبيرة. والقليل من جرعات الإنعاش الحكومية والمدنية لم تعد تُجدي حياة في جسدٍ خاضع في دوائه وقوت يومه ومستلزمات تمتعه بمستوى معيشة مُرضٍ لأهواء الرأسماليين الجدد.
رأسماليون جدد "نبشتهم" أزمة ظرفية مقيتة دون وجه حق ومكّنتهم بأدوات حياتية من التحكم بمصير مواطنين كانوا الى حدٍّ ما ثابتين في مسيرة حياتهم ،يمشون "الحيط الحيط ويا رب السترة" حتى زلزلهم تأرجحُ سعر صرف الدولار وأوقعهم تحت عبءِ تجّارٍ فجّارٍ لواؤهم الفريش دولار.