إسلام جحا - خاصّ الأفضل نيوز
لا تزالُ ورقةُ اللِّيرة اللُّبنانيَّة تهتزُّ أمام رياح الدُّولار حتَّى تهاوت بأكثر من ٩٠٪، وفقدت قيمتَها الشِّرائيَّة. وبين السُّقوط والسُّقوط يبرز سقوطٌ من نوعٍ آخرَ يرتكبه حاكمُ المركزيّ بحقِّ اللِّيرة التي "لم تعد بخير"، وذلك على مذهب "ضربة عالحافر وضربة عالمسمار"؛ محاولًا نشر قراراتٍ وتعاميمَ ما تلبث أن "تبنّج" اللُّبنانيِّين حتَّى يعاود الدُّولار الأسود ارتفاعه إلى أكثرَ ممَّا كان عليه وتعلو الصَّرخة ثانيةً، لكن البارز أنَّ القرار الأخير لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أصدره منذ يومين، لم يكن كسابقاته من القرارات حول شراء مصرف لبنان لكلِّ اللِّيرات اللُّبنانيَّة مقابل الدُّولار الأمريكيّ على سعر "صيرفة" وهو ٣٨ ألف ل.ل. فهل سيهبط الدُّولار إلى ٢٥ ألف ل.ل. كما يتمّ التَّداول أم ستعود لعنة الارتفاع من جديد؟.
مصرفُ لبنان أصدرَ قراره ومشى، تاركًا الأمرَ منوطًا بالمصارف، ليصدر سلامة قرارًا ثانيًا يدعو فيه "اللُّبنانيِّين وكلَّ مواطن لم يتجاوب معه مصرفه المعتاد إلى أن يتّجه فورًا إلى بنك الموارد"، وهذا أثار استغرابًا لدى مراقبين عشيَّة عطلة رأس السّنة وإقفال المصارف أبوابها، ويبدو أنّ الطّوابير التي لازمت أبواب المصارف بالأمس دفعت بالبنك المذكور إلى الإعلان عن فتح أبواب فروعه كافة لتنفيذ هذه العمليَّة حتى في يوم رأس السنة"، وذلك بعد اجتماع مجلس إدارة جمعية المصارف أمس وتلقيه بيان المصرف المركزيِّ بهدوء "طالما أنَّ البنك المركزيَّ يعتبر أنّه الحلّ الأنسب حاليًا".
حول أثر البيانين الصَّادرين بالأمس، يقول خبير الاقتصاد د.فادي غصن للأفضل نيوز: "هذا التَّعميمُ يشبه التَّعاميم السَّابقة التي أدَّت إلى انخفاضاتٍ مرحليَّةٍ في سعر الصَّرف، حيث هبط الدُّولار بموجب هذا التّعميم من ٤٧ ألف إلى ٤٣ ألف، لكنّ السُّؤال يبقى إلى أيِّ مدى سيستمرُّ هذا الانخفاض قبل أن يعاودَ الدولار ارتفاعه؟".
ويضيفُ غصن: "الأثر الثاني الذي لوحظ هو ارتفاع منصَّة صيرفة من ٣١ إلى ٣٨ ألفًا، أي بحدود ٢٥٪، وهذا يعني رفعَ أسعار المنتجات والخدمات التي تُشترى دولاراتها عبر صيرفة كخطوط تشريج الهواتف والأدوية والمعدَّات الطبيَّة. وهذا ألحقَ خسارةً بالموظفين الذين يتلقّون أموالهم على سعر المنصَّة بقيمة الرّفع نفسها التي بلغت نحو ٢٥٪. كما طال المودعين الذين يقومون بسحب أموالهم من المصارف بموجب التَّعميم ١٥١ و١٥٨، وبالتالي إنَّ الانخفاض في القيمة مستدامٌ، لأنَّ رفع منصَّة صيرفة غالبٌ للانخفاض على المدى الطَّويل".
وأمام قرارِ المصرف المركزيِّ الذي يبدو أنّ رياض سلامة أراد من خلاله أن يبدأ عامًا جديدًا بدولار لم يتخطَّ ٥٠ ألفًا، "عمد طالبو الدّولار والشّركات والمحطّات عقب صدور القرار إلى التَّصريف، لكنّ الغاليَّة لم تستطع ذلك؛ في ظلِّ تمنُّع البنوك أمام الطوابير، فهل سيستطيع "الموارد" تلبية طالبي العمُلات الأجنبيَّة، خصوصًا أنّ ثمة من لا يملكون حسابات في هذا المصرف؟"، حسب غصن الذي يؤكّد "أنّه في حال تمنّعت المصارف، كما ظهر بالأمس، عن منح العملة الصَّعبة فإنّ ذلك سينعكس سلبًا على سعر الصَّرف وسيعاود ارتفاعه مجدَّدًا، خصوصًا أنَّ الانخفاض هو بحدود ٤ آلاف ليرة، وهي القيمة التي ارتفع فيها الدُّولار على مدى أسبوعٍ واحدٍ، أي أنَّ القرار لم يكن ذا مفعولٍ رجعيٍّ على المدى الطَّويل ومفاعيل القرار مؤقتة ومرحليٌّة؛ لأنَّ آليَّة عمل منصَّة صيرفة تؤدّي إلى تفاقم الأزمة على المدى الطويل، فالبنك المركزيُّ يشتري الدولارات بسعر مرتفعٍ، ويعود إلى بيعها بسعر أقلّ مسجلًا خسائرَ وصلت إلى ٥٠٪ وتفاقم المشكلة".
وعن إمكان انخفاض الدُّولار إلى ٢٥ ألف ل.ل. بعد الكلام عن وقف طباعة المزيد من الأوراق الماليّة بموجب قانون من المجلس النّيابيِّ وامتناعه عن شراء الدولارات من السوق بقرار من الحكومة يكفيان لهبوط سعر صرف الدولار إلى ٢٥ ألف ليرة قبل نهاية العام، يقول غصن: "إنّ دور مصرف لبنان هو منظمٌ لسوق القطع، وهو يتدخّل كشارٍ أو بائعٍ، وأنّ هذا الأمر لن يتحقق في ظلّ الوضع الحاليّ؛ لأنّ مصرف لبنان يؤمّن الدولارات لاستيراد الفيول والمعدّات لصيانة المؤسَّسات المتهالكة للدولة وللقطاع الخاصّ، فالمصدرُ الوحيد لتأمين الدُّولارات إذًا هو السُّوق السَّوداء، وطالما أنّ إيرادات الدَّولة لا تكفي النَّفقات فالانخفاض إلى هذا النَّحو مستحيلٌ، في ظلّ الإيرادات الضّعيفة للدولة، فإنَّ البنك المركزيّ مضطرٌ لطباعة العملة بالليرة لدفع النفقات، والحلُّ يبدأ بالإصلاحات على مستوى البلد ومؤسَّساتها وهيكلة القطاع العام، وحصر النّفقات، وتخفيف الهدر لنصل إلى ذلك".
"أمَّا عن مستقبل الدُّولار، فهو وفق الدكتور غصن، منوطٌ بما ستقوم به المصارف فإمّا أن ينخفض إلى ٣٨ ألف ل.ل. وإمّا أن يعود إلى ما قبل التعميم، فهل سيلتزم كلٌّ من مصرف لبنان والمصارف بالتعميم وبيع الدولارات دون سقفٍ الطالبين ام سيتمّ وضع قيودٍ والتّعامل باستتسابيَّة كما حصل سابقًا؟".