يحيى الإمام _ خاصّ الأفضل نيوز
ما إن اقتربت الانتخاباتُ الرئاسية التركية، المزمع إجراؤها في شهر حزيران من سنة 2023، حتى انبرى الرئيس التركيُّ رجب طيب أردوغان إلى طلب لقاء الرئيس السوريِّ بشار الأسد للمرة الثانية ،بوساطة من الروس ،وذلك من أجل استباق المعارضة التركية إلى معالجة عدة ملفات صعبة أوصلت الوضع الاقتصاديّ، كما الوضعين السياسيّ والأمنيّ، إلى دائرة الخطر، وتفويت فرصة الفوز بالانتخابات على أحزابها من خلال سحب الأوراق الرابحة من يدها تدريجيًّا.
وكان الرئيسُ السوريُّ بشار الأسد قد رفض اللقاءَ سابقًا وقال للروس ما مفاده أنه لا يفاوضُ من يحتلُّ أرضه، ولا يغدرُ بأصدقائه في المعارضة التركية الذين تجمعه بهم قناعاتٌ وأهدافٌ مشتركةٌ يأتي على رأسها تحقيقُ الأمن والسلام في المنطقة خدمةً لمصلحة البلدين.
وبعد إلحاحِ أردوغان على الروس وبعد أن قام بحملتين واسعتين: حملة عسكرية على قوات سورية الديمقراطية (قسد) وحزب العمال الكردستاني في شمال شرق سورية، وحملة تضييق على النازحين السوريين في الداخل التركيِّ لدفعهم إلى الرحيل إلى المناطق السورية التي لا تخضعُ لسيطرة النظام، نجحت موسكو في إجراء لقاءاتٍ أمنية ثلاثية، ثمَّ رتبت لقاءً على مستوى وزراء الدفاع تباحثوا فيه سبلَ إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين ،والعمل على مكافحة الإرهاب بشكل عام.
ولكن بعد أن استمعنا إلى السيد بدر جاموس، رئيس هيئة المفاوضات السورية المعارضة، تأكد لنا أنَّ التركيَّ يقول للروس شيئًا ويقول للمعارضين السوريين أشياء أخرى، حيث قال السيد بدر جاموس: إنه سافر إلى أنقرة ليطلع من المسؤولين الأتراك على ما تمَّ الاتفاق عليه في موسكو، وانتظر عودة وزير الخارجية التركيِّ داوود أوغلو من السفر ليطلع منه على المستجدات ،فأكد له أوغلو أن لا تغيير في توجهات تركيا ولا سيما فيما يخصُّ تنفيذ القرارات الأممية وعلى رأسها القرار رقم 2254 القاضي بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية تتمثلُ فيها جميعُ فئات الشعب السوريّ، بما في ذلك المعارضة، وأنَّ مفاوضات موسكو دارت حول نقطة واحدة هي كيفية التعاون للقضاء على قوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والتي تهيمنُ على الثروات النفطية السورية، وتهددُ الأمن في تركيا، وفي ذلك مصلحة مشتركة لكلا البلدين.
أما الرئيسُ السوريُّ بشار الأسد والذي ظهر مؤخرًا على شاشة الإخبارية السورية ليقول: إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية هي دولةٌ عظمى لا يمكنُ الانتصار عليها، ولكن يمكن مقاومتها حتى ينتهي احتلالها لشمال شرق البلاد، فقد مهّدَ في المقابلة عينها إلى عودة العلاقات بين البلدين في الأشهر القادمة بعد قيام تركيا بتنفيذ التعهدات التي قطعتها.
وخلاصةُ القول: يبدو أنَّ السيد أردوغان الذي امتهن سياسة اللعب على حافة الهاوية، كما كانت مواقفه من القضية الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وكما كانت مواقفه من مصر والسعودية والحرب في أوكرانيا، يحاول اليومَ تصفيرَ المشاكل والانقلاب المرحلي على حلفائه وأتباعه من أجل الوصول إلى سدة الرئاسة مرة أخرى ،وسبق أحزاب المعارضة الستة إلى تحقيق مصالح الدولة التركية في استتباب أمنها ورخاء اقتصادها مبرراً في ذلك إعادة تموضعه السياسيّ، وطالبًا من منتقدي سياساته البهلوانية أن يتفهموه كرجل دولة واقتصاد، كما جرت العادة دون الركون إلى ما يقوله الشاعر العربي:
(لا خيرَ في ودّ امرئٍ متلَوّنٍ
إذا الريحُ مالت مالَ حيث تميلُ).