أماني النّجار _ خاصّ الأفضل نيوز
أعلنتِ اللّجنةُ الفاعلةُ إضرابًا عامًّا وشاملًا في المدارس الرّسمية؛ بسبب إقرار حوافز يومهم التّعليمي بـ٥$.كما أعلنت يوم الإثنين "يوم كرامة المعلّم في لبنان"، ويُستكمل بإضرابٍ حتّى دفع الحقوق (بدل نقل من العام الماضي حتى اليوم، حوافز العام الماضي لأكثر من ٣ آلاف أستاذ، مستحقّات العام الماضي، مستحقّات هذا العام، وحوافز بالدّولار بمبلغٍ يُدفع شهريًّا بشكلٍ غير مشروط بإذلال كرامة المعلّم).
*سلبيّات الإضراب*
حين نحلّلُ ونفسّرُ الانقطاع (الإضراب)، يجب أن نكون واعين للحالة النفسيّة والشّعورية للتعليم والمدرسة. إنّ المعلّمين هم أدرى النّاس بسلبيّات الإضراب، وهم لا يلجؤون إليه حبًّا.. لكن في النّهاية، برغم التّعاطف والتّضامن مع المعلّمين، إلّا أنّ هناك آثارًا على الطّلبة، فعلى الحكومة الإسراع بالحل؛ كي لا نخسر جيلًا كاملًا.
*المدارس الخاصّة بديلٌ مكلفٌ*
تشهدُ منطقةُ البقاع إقبالًا ملحوظًا على المدارس الخاصّة، ولكن هي غير قادرةٍ على أن تستوعبَ هذه الأعداد الضّخمة من الطّلاب، وهي خيارٌ متاحٌ لميسوري الحال حيث يتراوح القسط الشهري ما بين ٢٥ إلى٣٠ دولارًا أميركيًّا للطالب الواحد، وأكثر العائلات تعاني من تدنّي مُقوّمات المعيشة اليوميّة وارتفاع معدّل الفقر في البلاد وهي غير قادرةٍ على وضع أطفالها في المدارس الخاصّة.
تقول السّيّدة نسرين للأفضل نيوز (والدة لطفلين في مرحلة التّعليم الأساسيّ): "أسعى إلى تأمين مقاعد دراسيّة في مدارس مكفولة التّأمين المادّي، فلا قدرةَ لي اليوم على دفع تكاليف المدارس الخاصة".
وأضافت: "في كلِّ مرّة أرسل أطفالي إلى المدرسة، يتمُّ تأجيل الداوم ويعودون إلى المنزل دون أي فائدة من وجودهم ضمن المدرسة وذلك بسبب إضراب المعلّمين".
أمّا السّيّدة آلاء فلم ترسل طفلها إلى المدرسة حتى ينتهي إضراب المعلّمين أو يتمّ حلُّ القضية، وتقول لموقعنا: "وُضعتُ تحت الأمر الواقع، لذلك لا بدّ من إيجاد حلولٍ قبل فوات الأوان، وضياع مستقبل كثير من الطلّاب، فهذا يُسبب ضغطًا نفسيًّا عليهم وعلى أهلهم".
*أزمة الأساتذة المتعاقدين*
بعد نفاد صبر الأساتذة وحديثهم عن إضراب مفتوح، أُرسِل تعميمٌ لإعداد جداول بدل النقل. في هذا السّياق، تحدّثنا مع الأستاذ ي.ش. (أستاذ ثانويٌّ متعاقدٌ) الذي قال: "من المعيب أن يكون تعميم إعداد جداول المتعاقدين لاحتساب ما لهم من بدل نقل، وأن تمرَّ عشرة أشهر وما زالوا في مرحلة إعداد الجداول للدفع. المتعاقد لا يتقاضى أجره كل آخر شهر، فإن درّس يأخذ أجره، والعكس هو الصّحيح بعكس روابط السّلطة، وبالتالي لم يتقاضَ أجره منذ سبعة أشهر أيَّ قرش، ولم ير رفع أجر الساعة، هذا كله يضعهم أمام مسؤولية ضياع العام الدّراسيّ أمام الطلّاب ومسؤولية ظلم المتعاقدين وعائلاتهم في هذه الظروف القاهرة".
*الأثر النفسي على المتعلّم*
نحن أمام حالةٍ تقليديّة للتّعليم، ابتعاد الطلبة والمعلّمين والإدارات التّربويّة عن الدّراسة والعمل (بالنسبة للمعلّمين)، يؤثّر سلبًا على الجوّ الدّراسيِّ العاديّ، بحيثُ يظهر الفتور وجزءٌ من اللّامبالاة من قِبل الطلَبة.. إضافةً إلى معرفة الطلَبة بحاجتهم للأيام الدّراسيّة حتى يستفيدوا، فهُم أدرى من غيرِهم بحاجتهم لكلِّ الحصص المدرسيّة، خصوصًا أن معظمها يحتاج إلى تدريس معلّم داخل الصف، وتحتاج إلى التّطبيق والمناقشة والتقييم..إلخ، وهنا يصابون بشيءٍ من الإحباط، ويبدأ تفكيرهم يتشتّت من الجوّ الدّراسيِّ إلى الجوِّ السّياسيّ، والتفكير بأسباب الإضراب. وهذا يصرف الاهتمام، ويدخلهم في حالة من التّشويش والتّشتّت.
أما المعلّمون، فهُم قلقون على أداء العمل؛ لأنهم على معرفة بحاجة طلبتهم إلى معظم الحصص المدرسيّة. كما إنهم يتخوّفون من حالة الترَهل النّفسيِّ للطلبة تجاه المدرسة، والتعوّد على عدم الالتزام، واللّامبالاة.
*عمليًّا:*
من الطّبيعي ألّا يكمل الطلبة والمعلّمون المناهجَ لعامِ بسبب الإضراب، أو يضطر المعلّم إلى الإسراع في التّدريس ممّا يؤثّر على هضم الطلَبة كافّة للمفاهيم العلميّة، خصوصًا بالنسبة للفئات المتوسطة والضّعيفة (حسب الوصف التقليدي)، أو يضطر المعلّمون إلى حذف دروسٍ من المنهاج حسب الأولويّات، كما هو الحال في الرّياضيّات واللّغة الإنجليزية وغيرها.
وهذا يعني أنّ العمليّة التّربويّة تتعرض للتّهشيم، وعدم التّماسك كون مناهج التعليم العام تعتمد على التّدرّج في تطبيق المواد الدّراسية وتعليمها من الصّف الأول حتى الثاني عشر.
*استراتيجيًّا:*
من المعقول والضروري العمل على زيادة جذب المدرسة والعمليّة التعليميّة لكلا المعلمين والطلبة على حدٍّ سواء، حتى يكون الارتباط بالمدرسة نابعًا من داخل الطلبة والمعلّمين، وليس أمرًا جبريًا ملزمًا. بالإضافة إلى التّفكير الجدّي بالتعليم العام، والحاجة إلى التّفكير العميق بما تتطلّبه الدراسات العليا من التّعليم العام، بحيث يُصار إلى تكوين الشخصيّة المتعلّمة، بالاستفادة من منجزات تكنولوجيا التّعليم، فلا ضرورة موضوعيّة لكلّ المباحث بكلِّ دروسها.
من المهم أن يدركَ الطلَبة الإطارات العامة والخطوط العريضة التي تعلق في الذاكرة، أمّا الإغراق في التفاصيل دون وضعها في سياقٍ تعلميٍّ اجتماعيٍّ نفسيٍّ فإنها عرضة للنسيان. يجب العملُ على إنقاذ نظام التّعليم والعام الدراسي.
نحن الآن نواجه كارثةً تمسُّ جيلًا كاملًا، كارثة يمكن أن تهدر إمكاناتٍ بشريّةً لا تُعدّ ولا تُحصى، وأن تزيدَ من حدّة اللّامساواة مترسّخة الجذور. لا شيء أهمُّ من التّعليم، وامتلاك جيل متعلّم نُنقِذ به مستقبلنا، ومجتمعنا، ونبني به بلدنا.