إسلام جحا - خاصّ الأفضل نيوز
تستمرُّ كرة النَّار بالتَّدحرج لتتغلغل أكثر في قلب الواقع المعيشيّ اللُّبنانيِّ. وهذه المرَّة لم تستثنِ الأطفالَ الرُّضَّع وأصحابَ الحالات المرضيَّة من الأطفال، فقد جاء إعلانُ وزيرِ الصِّحَّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أمس، رفعَ الدَّعم عن أنواع حليب الأطفال كافَّة، دون سابق إنذارٍ ليضربَ عرض الحائط ما بقي من أملٍ للأهل بتأمين حياةٍ كريمةٍ، حدُّها الأدنى "حليب لأطفالهم".
بالأمس، أكَّد وزيرُ الصِّحَّة "أنّ الكمّيَّات التي كانت تصل عند الدَّعم كانت تكفي بلدين، وعلى الأرجح كنّا نشتري الحليبَ لبلدين"، في إشارةٍ منه إلى مشكلة التَّهريب من لبنان إلى سورية، عازيًا الأسبابَ إلى "ضرورة تأمين الحليب للأطفال، وليس للتُّجَّار الذين يستغلّون هذا الدَّعم، ويعمدون إلى تهريب الحليب وبيعه في السُّوق السَّوداء".
يثير هذا الكلام عدَّةَ نقاطٍ يجب التَّوقّف عندها، ودقّ ناقوس الخطر، بعد الارتفاع الكبير الذي لحقَ بأسعار الحليب، إذ سجَّلت عبوات حليب للرُّضَّع بوزن 400غ لما دون السِّتَّة أشهر 337000 ليرة. والعبوَّات التي تزن 900غ لما فوق السِّتَّة أشهر 776000 ليرة. وبلغت عبوَّات الحالات الخاصّة (special Formula) 376000 ليرة.
النقطة الأولى: التي لا مهربَ منها هي أنَّ الجهات المعنية باتت تركن إلى حقيقةِ أنَّ الفساد المستشري في إدارات الدَّولة ولدى بعض الجهات المستوردة للحليب، بات أمرًا واضحًا وضوحَ الشّمس ولا يُخبَّأ بالإصبع. وهذا يثبت عجزَ المنظومة بما فيها وزارتي الصِّحَّة والاقتصاد عن تحريك ساكن.. إنّهم إن كانوا يعلمون بما يجري فتلك مصيبة، وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم.
النُّقطة الثّانية: إثباتُ احتكار الشّركات والتُّجّار لحليب الأطفال مع جشع الموزِّعين، واسترقاق الأطفال وأهلهم، بما يضعهم أمام عجزٍ مثبتٍ بالوقائع، وعدم القدرة على وضع حدٍّ للفوضى التي عمَد إليها سوق الدَّواء والحليب منذ بدء الأزمة الاقتصاديَّة في لبنان.
النُّقطة الثَّالثة: يبيِّن بما لا يدع للشك سبيلًا عن عجزٍ واضحٍ للقضاء على التّحرُّك واتّخاذ التّدابير اللَّازمة، وإجراء التفتيش في المخازن والصَّيدليات، والمراقبة بالتَّعاون مع اللِّجان والجهات المختصَّة في وزارة الاقتصاد والصِّحَّة، ولا يمكن تتبُّع حركة الحليب، لأنّه ليس ممهورًا برقم تسلسليٍّ "Barcode". كما أنَّ شراءه لا يحتاج إلى وصفةٍ طبّيَّةٍ؛ ما يسهّل شراء كمياتٍ كبيرةٍ منه من دون حسيبٍ أو رقيبٍ.
النّقطة الرَّابعة: يعيد إلى الواجهة مسألةَ المعابر غير الشرعيّة والتّهريب الممنهج والمقصود عبر الحدود المتفلّتة، بسبب ملاحظة وزارة الصِّحَّة الكميَّات الكبيرة من الحليب المدعوم التي يتمُّ استيرادها، والتي تفوق حاجة البلد، وتكاد تكفي بلدين، تختفي من السُّوق بعد وقتٍ قليلٍ من وصولها.
النُّقطة الخامسة: إنَّ رفعَ الدَّعم عن الحليب يأتي ضمن سلسلةِ رفع الدَّعم عن السّلع الأساسيَّة، لتُباع بأسعار السُّوق السَّوداء.
مرةً جديدةً لا تفرِّق الأزمة التي يعيشها لبنان على المستويين السٌّياسيِّ والاقتصاديِّ بين صغيرٍ أو كبيرٍ، ما يدلِّل على عمق الفجوة الحاصلة خلف كلِّ قرارٍ مهَّدت له "المافيا الحاكمة" عبر السَّنوات، ولكن يبقى المطلوب هو تنظيف الجرح قبل تقطيبه من خلال كشف المتورِّطين في ملفِّ الحليب، واستدعاء جميع المعنيّين الذين يظهر التَّحقيق تورّطهم من جمارك وموظفين في وزارتي الصِّحَّة والاقتصاد وصيادلةٍ وشركات استيراد الأدوية لمعرفة حقيقة هذه الفضيحة..!.