وفاء ناصر- خاصّ الأفضل نيوز
جميعهم محقون في مطالبهم؛ المعيشة صعبة، الراتب ضئيل وغير متناسب مع الجهد المبذول، وما يتمُّ تحصيله من ممارسة التعليم كمهنة أساسية لا يكفي بدل النقل، إن قُبض.
لكنَّ أحدا لا ينكرُ ما تختزله العلاقة بين الروابط واللجان والأساتذة في التعليم الرسميِّ والخاصِّ بمختلف مراحله من فوقية وطبقية عفوية من جهة، وكيديّة سياسية متمرّسة لها حساباتها الخاصة وضرائبها المباشرة وغير المباشرة من جهة ثانية. كما لا ينكر التفاوت والأفضلية المهنية التي يتمتع بها البعض لجهة عدم المساس بعدد ساعاته "المسكرة" والحوافز التي يحصل عليها قبل غيره أحيانًا إضافة إلى أمور أخرى "ناسها أدرى بها".
وما هذه الحلقة التراجيدية المُنكّهة بمشاهد تشويقية تحتضن أبطالاً مؤقتين يقتنصون الفرصَ لحصد اللقب وحشد القيمة، مع ما يتخللها من كوميديا ساخرة وجارحة، إلاّ تكرارًا لسيناريو محزن يستغل عدم الاستقرار والتدهور الدراماتيكي منذ ثلاث سنوات، للانقضاض على ما تبقى من القطاع التعليمي.
غير أنه رغم كثرة السعاة، الذين يتلهون بتراشق شتى الاتهامات فيما بينهم تحت شعار السياسة تارة والمنفعة المادية تارة أخرى، لتحقيق المطالب المنشودة يبقى أنّ "الأساتذة ليسوا هواة إضراب" سواءً أكانوا متعاقدين، أو ملاكًا أو مستعانًا بهم، وكرامتهم "ليست للبيع". لكن العودة إلى المدارس من دون حقوق وحوافز غير واردة في قاموسهم، إن لم تتساقط الحلول المنطقية وأوراق الترضية التي تضمن لهم حياة كريمة أو الإملاءات مع تساقط الأمطار والثلوج، خاصة في ظلِّ عدم وجود ما يبدّد شكوكهم بأنَّ الوزارة تقبض على أسمائهم دون أن يصل إليهم ما يحلمون به، كما يقول البعض.
في هذه الحلقة من مسلسل الإضرابات، تتساوى عبارات التضحية وتحمّل الإهانة وكرامة المعلم مع الحقوق والحوافز، غير أن الحقيقة واضحة رغم مرارتها ولا تحتملُ سؤالا عن السبب؛ فلا طاقة للوزارة على تحمّل التكاليف من ناحية، والجهات المانحة خفضت من تقديماتها وربطتها بملفٍّ آخر انعكاساته أسوأ مما قد يبدو، من ناحية أخرى.
وبينما يبرز الانقسام جليا في صفوف المعلمين إلا أنَّ قرار وقف التعليم في دوام بعد الظهر للاجئين كان الخطوة الأكثر جرأة. إذ من غير المقبول أن يتأرجح العام الدراسي ويتحوّل التلميذ اللبناني إلى كبش محرقة، فيما اللاجئ ينعم بحق المعرفة والتحصيل العلمي دون سواه. علمًا أنّ هذا الأخير لا يجاريه في المستوى والمنهاج التعليمي في أحيان كثيرة، وخطة الدمج التي تطالب بها الجهات الأجنبية الداعمة ستؤثر سلبا على المستوى التعليمي ونوعية تحصيله الذي قد يتراجع بغية تناسب المنهاج التعليمي مع مستواهم العقلي ربطًا بتحصيلهم الأكاديمي السابق.
كل هذا يحصلُ دون أفق واضح، وكأنّ القطاع التربوي لا يكفيه ما يعانيه من شوائب وثغرات حتى تتمَّ التضحية بعام دراسي آخر، وكأنّ شيئا لم يكن.
لكنَّ المؤسف، في دوامة الكلام عن تحصيل الحقوق وكسب الحوافز، استثناء معلمي المعاهد الخاصة من هذه الحركة الحقوقية المطلبية، فلا روابط تحميهم ولا عقود تضمن حقهم. والأنكى أن الاستاذ الذي يرفع رأسه يتمُّ استبداله بمحظي أودع الدرج طلبه علّ القدر يبتسم له ولو نصف ابتسامة.
قد يبدو طرح سؤال يتعلق بمسؤولية المعنيين بالملف التربوي في غير زمانه_ رغم أهمية القطاع التعليمي في تطوّر الأمم_ قياسًا بما نعانيه من مشاكل وفساد ولا مسؤولية أخلاقية- مهنية، ولكن فعليًّا إن كنا سنعمل على إعطاء المعلمين والمعلمات حقوقهم، لا بدّ قبل ذلك اختيارهم بدقة وتمكينهم بما يلزم من معلومات ومهارات ليصبحوا القدوة لجيل ينهض بالبلد. علينا أن ننظر إلى الأستاذ كمربٍّ وليس مجرد عامل مقابل حفنة مال لا تغني ولا تسمن.