أماني النّجار _ خاصّ الأفضل نيوز
مشكلةُ المياه في لبنان معقّدةٌ ومتشعّبة، تبدأ بانقطاع الكهرباء وتنتهي بالتّلوث. لا تُعتبر أزمة المياه من الأزمات المستجدّة بل تعود إلى سنواتٍ ماضية، حيثُ اعتادَ الكثير من اللّبنانيين على شراء المياه، ومع تفاقم أزمة غلاء المحروقات كبرت المعاناة، وازدادَ انقطاعُ المياه في كثير من المناطق، والتي تُضاف إلى سلسلة الأزمات التي استفحلت خلال الانهيار الاقتصاديّ.
نشطت خلال الأزمة الشركات الخاصّة وموزّعو المياه، وارتفع الطّلب حتى صار البيع بالحجز مسبقًا، ما وضعَ الأسر والمؤسسات تحت ضغط متزايد، والمُحزن أن لبنان قصر المياه بات سكانه محرومين منها، فالبلد الذي يجري فيه٤٠ نهرًا، وأكثر من ٢٠٠٠ من الينابيع الموسمية والدائمة، ناهيك عن المياه الجوفية التي تتكون من مياه الأمطار والثلوج يعجز عن إيصالها إلى منازل أهله، وذلك لغياب استراتيجيات للحفاظ عليها وحمايتها وتوزيعها وفق المطلوب.
في هذا السّياق، تحدّثَ الأفضل نيوز مع السيّد م.ج. (صاحب صهريج مياه) الذي قال: "تُحاول اليوم الأسَر في مناطق البقاع الأوسط، استهلاك أقل قدر ممكن من المياه، خصوصًا أن المياه النظيفة أصبحت بعيدة المنال مع ارتفاع أسعارها، ما يضع على كاهل السكان جزءًا كبيرًا من دخلهم لملء الخزانات الموجودة على أسطح منازلهم. بعضهم يحمّلنا مسؤولية انقطاع المياه، في حين أن لا علاقة لنا بها، ونحنُ نعمل كما أصحاب المولّدات، لكن عملنا يختلف، ونقود الصهريج ،وندفع ثمن المياه لأشخاص يملكون البئر ، كما أننا بحاجة إلى البنزبن للتّنقل وبالتالي فإن التكلفة ارتفعت جرّاء هذا الأمر".
تقول سهام لموقعنا: "إنها تضطر إلى شراء صهريج مياه مرتين أو أكثر في الأسبوع وفق الحاجة ،وإنها ملّت من مناشدة البلدية للمساعدة، فكلّ ما تسمعه (ما في مازوت، ما في كهرباء)". وتُشير "إلى أنها تدفع أكثر من ٦٠٠ ألف في الأسبوع الواحد وأنَّ هذا الوضع لا يمكن أن يستمرّ".
لم تنجح الحلول التي قامت بعض البلديات في البقاع الأوسط، من حفر الآبار الارتوازية وتأمين الطاقة الشّمسيّة لعدد منها في معالجة شُحِّ المياه. يقول السيّد حنّا زغيب لموقعنا (أحد موظفي جباية المياه في البقاع الأوسط): "الطاقةُ الشّمسيّةُ لم تستفد منها إلا بلدات قليلة، ووجود عشرات الآبار الارتوازية من دون تأمين الطاقة الكهربائية جعلها بدون فائدة، شّحُّ المياه متوقف على قوة النبع الذي تتغذّى منه المناطق، وهناك مناطق تتغذّى بجرّ المياه بالجاذبيّة فهي تحتاج لتشغيل محطة الضّخّ، بينما هناك مناطق أخرى تتغذّى من خلال ضّخِّ المياه، وحيث توّفر المازوت يتمُّ تشغيل محطة الضّخِّ لتغذية المناطق التي لا تصل إليها المياه عن طريق الجاذبيّة، وعليه تختلف التغذية بين منطقة وأخرى".
المشكلة حاليًّا لا تتعلقُ فقط بهذا الأمر، بل تتعداه لأمر يتعلق بتوفر المازوت. وفي هذا الإطار، أشار للأفضل نيوز الأستاذ خليل عازار (مسؤول عن محطّات المياه في البقاع): "إلى أنَّ المناطق التي تتغذّى بالمياه عن طريق محطة الضّخِّ تكون عادةً مشكلتها مضاعفةً إذ إنه حتى لو كانت المياه متوفرة في الينبوع فهي بحاجة إلى ضّخٍّ لتصل إليها وبالتالي إلى مازوت وهذا ما لم يعد متوفرًا كما كانت الحال سابقًا".
باختصار، لبنان بشكل عام ليس بلدًا يُعاني من ندرة المياه، لكنَّ سنواتٍ طويلةً من سوء الإدارة والفساد، جعلت الأمر كذلك، وملفُّ المياه ما هو إلّا أزمة ضمن أزمات تمثل انعكاسًا أو نتيجةً للهدر والفساد وسوء التنظيم التي تتحمّل مسؤوليتها الحكومات اللّبنانية المتتالية.