د. علي ناصر ناصر - خاص الأفضل نيوز
مقدمة
يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن "لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديًّا لتكون صهيونيًّا، وأنا صهيوني"، وهناك تصريح آخر له يقول فيه "لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة".
بالإضافة إلى عدد من التصريحات والمواقف التي تؤكد دعمه المطلق "لدولة إسرائيل".
دعم الرئيس بايدن إسرائيل في كافة حروبها، وصوت في الكونغرس لصالح نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس المحتلة.
ولم يطلب وقف إطلاق النار في غزة حتى الآن، ويؤمّن دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا هائلًا "لدولة إسرائيل" ويمنع إدانتها في مجلس الأمن والمحافل الدولية.
انعكست صهيونية الرئيس على علاقاته الاجتماعية حيث يوجد ثلاثة أفراد من أبنائه متزوجين من يهود.
اجتمع بايدن مع رئيسة وزراء الكيان الصهيوني عام 1973 والذي اعتبره أهم "لقاء في حياته".
تمثل إسرائيل في بعدها الوجودي خلاصة الفكر الغربي لحل المسألة اليهودية التي أرّقت الشعوب والسياسة الأوروبية.
وارتبط المشروع الصهيوني بالعقلية الأوروبية الاستعمارية واعتبر "ثيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية أن "الدولة اليهودية في إسرائيل ستشكل دفاعاً عن أوروبا والحضارة الغربية".
واختلطت الصهيونية بالمفاهيم السائدة في الحضارة الغربية ولكن بقي السؤال عن ماهيتها وحقيقة تكوينها يتصاعد من فترة إلى أخرى حتى بلغ ذروته في حرب غزة المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى الآن.
الصهيونية والعنصرية
يدين معظم اليهود في العالم بالصهيونية، وهي عقيدة انطلقت في أوروبا كحل للمسألة اليهودية، والصهيونية بمفهومها المباشر هي حركة سياسية تهدف إلى جمع اليهود وإنشاء كيان سياسي لهم في فلسطين وإعطاء مضمون قومي وسياسي لليهودية، مع أن الحركة الصهيونية مرتبطة بثيودور هرتزل صاحب مشرع الدولة اليهودية، إلا أن كلمة "الصهيونية" ابتكرها "ناتان بيرنبون" الذي قصد بها النهضة السياسية لليهود وعودتهم الجماعية إلى فلسطين.
انطلقت الدعوة الصهيونية من أسس عقائدية تضم المفاهيم العنصرية في بنيتها وعبرت عن ذلك "بأن اليهود هم العرق الأنقى والأفضل والأقوى ودورهم يفوق دور الشعوب الأخرى".
إضافة إلى ذلك تنطلق العقيدة الصهيونية من مضمون عنصري آخر من خلال التعبير عن تفوقهم على الشعوب الأخرى من خلال القول: "بأن اليهود هم شعب الله المختار"، والعنصرية بمفهومها البسيط تعني "بأن مجموعة معينة هم أرفع مستوى من مجموعة أخرى"، وهي بذلك تستخدم الدين اليهودي لخدمة الصهيونية السياسية.
استخدمت الحركة الصهيونية مجموعة من العوامل السياسية والثقافية المرتبطة بالسياسية وواقع المجتمعات الأوروبية للدفع نحو إنشاء الدولة اليهودية، واستغلت فكرة "معاداة السامية"، وفوق كل ذلك أكدت الحركة الصهيونية على ضرورة الوعد الدولي في بناء الدولة اليهودية وأن تكون جزءًا وامتدادًا للحضارة الأوروبية الغربية.
تكمن خطورة العقيدة الصهيونية عندما تلامس المجالات العملية في التطبيق وظهر ذلك جلياً على أرض الواقع في فلسطين من خلال المجازر التي ارتكبتها، وفي مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية ومارست تمييزاً عنصرياً فاقعاً وعلنيًّا تجاه الشعب الفلسطيني منذ ما قبل تأسيس الكيان الغاصب وحتى الآن، ومارس الشعب الفلسطيني نضالاً جبّارًا من أجل استعادة حقوقه، ولم تكن الفظائع التي ارتكبتها الحركة الصهيونية لتمر لولا حماية الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن لم يكن الأمر مقبولاً من معظم أعضاء المجتمع الدولي وبرز ذلك عبر القرار رقم 3379 الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 يعتبر القرار"أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري وأنها تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وطالب القرار من جميع دول العالم مقاومتها".
وقامت الجمعية العامة عام 1991 بإلغاء القرار بعد موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على إعادة النظر في القرار، حيث المنطقة كانت تعيش أجواء مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط.
وعلى ذلك، وفي مقابل الإلغاء حصلت منظمة التحرير على حق المشاركة في المؤتمر على أن تبدي إسرائيل استعدادها لقبول فكرة الدولة الفلسطينية.
القيم الأمريكية والصهيونية
قد لا يخلو منشور يصدر عن الإدارة الأمريكية إلا ويتحدث عن المساواة بين البشر، وأنه لا يجوز التمييز بين البشر على أساس الجنس والعرق والدين والأقلية.
وهذه المضامين من خلال عناوينها فقط، تتناقض وما تفعله وتؤمن به الصهيونية التي يعتنقها الرئيس الأمريكي بايدن.
رغم إلغاء الأمم المتحدة للقرار 3379 إلا أنه في جوهره يعبر عن ماهية الصهيونية واتجاهاتها العملية، وسياقات إلغائه وقعت ضمن عملية خداع سياسي تصدرته الولايات المتحدة التي أوهمت العالم أنها بصدد تسوية القضية الفلسطينية، وأن إسرائيل تتجه لتوافق على إنشاء دولة فلسطينية ،فانتهت كل تلك العملية باتفاقية أوسلو عام 1993 التي لم تحقق بناء الدولة الفلسطينية.
تمثل المبادئ التي اعتنقها الرؤساء الأمريكييون الاتجاه السياسي والقيم التي ترسم السياسة الخارجية الأمريكية وتتمثل عملياً بالإدارة وأشخاص يؤمنون بهذا المبدأ ويعملون على تحقيقه.
والرئيس بايدن رغم أنه لم يظهر حتى الآن مبدأ يأخذ اسمه إلا أنه من خلال الوقائع التي ظهرت في سياسته الخارجية تؤشر إلى اتجاه أمريكي لنشر الحروب على أسس عقائدية وهنا تكمن خطورته في اعتناق الصهيونية باعتبار أنه رئيس أكبر دولة في العالم ويحمل ويتبنى عقيدة عنصرية وهنا يصبح السؤال عن العدالة والمساواة مجرد وهم، وتصبح التداعيات على السلم والأمن الدوليين أكثر خطورة.
صهيونية الرئيس والتداعيات المحتملة
انتشرت في عهد الرئيس بايدن مجموعة من التحديات على الصعيد العالمي أبرزها ضعف المؤسسات والشرائع الدولية، وعدم الاستقرار في المفاصل الرئيسة في العالم، وإعادة انتشار القوات العسكرية الأمريكية بشكل قتالي.
وبفعل صهيونية الرئيس الأمريكي وحمايته لها سينعكس ذلك على العديد من المعطيات: أولاً: عدم اتخاذ إجراءات عملية قضائية دولية ضد إسرائيل سيؤدي إلى إنهاء فعالية المؤسسات الدولية التي تعمل على تطبيق القوانين الدولية وفي أساسها المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، بعد أن كانت الولايات المتحدة قوضت دور مجلس الأمن الدولي من فعاليته بفعل سياسة الانحياز التي تتبعها.
ثانياً: قدرة الصهيونية على التفلت من العقاب بفعل الحماية الأمريكية واطمئنانها لصهيونية الرئيس بايدن سيدفعها إلى استمرار وزيادة العنف المرتكب ضد الشعب الفلسطيني والعربي.
ثالثاً: سيؤدي ما تقوم به الحركة الصهيونية في غزة إلى انتشار العنف بين الدول وداخلها أيضاً نتيجة الحروب الداخلية واستسهال فكرة الإبادة الجماعية والقتل والعنف واستخدام القوة المفرطة وقتل المدنيين، من دون تردد.
رابعاً: هناك تأثير أخلاقي عام على اعتناق الرئيس الأمريكي لعقيدة عنصرية، ارتكبت طوال مدة سيطرتها مجازر جماعية، وهذا التأثير يظهر على الجيل الجديد داخل الجامعات الأمريكية الذي شعر بالتناقض الفاضح بين ما نشأ عليه من قيم ومبادئ وما يؤمن به رئيس دولتهم وما يمارسه على أرض الواقع.
خامساً: لا تقتصر خطورة الرئيس بايدن على المجتمع الأمريكي فحسب بل على المجتمع الدولي والحضارة الإنسانية حيث يعطل، بفعل صهيونيته، شرعة حقوق الإنسان، ويعرقل الحريات الأساسية للإنسان ويضرب ممارستها، إضافة إلى ذلك تفترض قيادة المجتمع الدولي أن تتم وفق القيم والمبادئ التي أرستها الأمم المتحدة والقوانين والاتفاقات الدولية وهذا ما تبتعد عنه الإدارة الأمريكية الحالية.
استنتاج
لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجه نحو الاستقرار وتحقيق مقاصد الأمم المتحدة بالسلم والأمن الدوليين في ظل وجود قيادة دولية تعتنق مبادئ وقيم عنصرية.
إن "الخفّة" التي يطرح من خلالها الرئيس الأمريكي أفكاره وقيمه تولّد استفزازاً وقهراً لشعوب العالم وخاصة الشعوب العربية والإسلامية، وتكرار ذلك يسبب ألماً أشد ويُظهر العنصرية الشديدة التي يعتنقها ويعمل وفقها.
تشكل الصهيونية آفة على البشرية ومرور أكثر من قرن على نشوئها وانتشارها واستمرارها هو من فعل الغرب الذي يقدمها على أنها فكرة مساوية للاشتراكية والرأسمالية في عملية تضليل وتشويه الحقائق.
يسبب الرئيس الأمريكي صدمة قيمية للجيل الجديد في الولايات المتحدة الذي تتراوح أعماره بين 16 عامًا و 24 عامًا والذي يعيد طرح المفاهيم والعقائد السائدة ويعيد تقييمها وفي مقدمتها "معاداة السامية" و"الصهيونية"، ورغم الإيجابية في ذلك فإن مكمن الخطورة هو محاولة الرئيس بايدن وفريقه السياسي خلق قوانين وتشريعات تساوي بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية ويعمل على وضع قيود قانونية تزجر وتعاقب كلّ الحركات المناهضة للصهيونيّة.