د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
أحدثت المحرقة الإسرائيلية المستمرة في غزة انقلاباً جذرياً في الرأي العام الأمريكي. فللمرة الأولى منذ عدة سنوات، يعارض غالبية الأمريكيين إرسال القوات الأمريكية للدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم من جيرانها، خصوصاً من حزب الله، وفقاً لاستطلاع للرأي نُشر أمس الثلاثاء. وهذا إن دلّ، فإنه يدل على مستوى التحول النوعي الذي طرأ على الوعي المجتمعي تجاه الكيان الغاصب، بحيث أصبح بنظر الكثير من مواطني الولايات المتحدة قاتلاً وخارجاً عن جميع القوانين والأنظمة الدولية وقواعد حقوق الإنسان.
وماذا تقول الأرقام بشأن معارضة الأمريكيين لفكرة الدفاع عن إسرائيل في مواجهة محور المقاومة؟
أظهر استطلاع للرأي أجرته لجنة شيكاغو للشؤون العالمية أن 55% من الأمريكيين، يعارضون إرسال القوات الأمريكية للدفاع عن إسرائيل إذا هاجمها جيرانها، بينما أعلن 41% عن دعمهم لهذه الخطوة، خصوصاً الجمهوريين الذين أعرب 55% منهم عن تأييدهم لإرسال القوات، في حين وافق 35% من الديمقراطيين والمستقلين على هذه الفكرة.
المثير أن هذه النتائج جاءت مع ارتفاع سقف التهديدات التي أطلقتها كل من إيران وحزب الله وجماعة أنصار الله في اليمن، رداً على اغتيال هنية في طهران، فضلاً عن ازدياد وتيرة الضربات المتبادلة على الحدود الشمالية لفلسطين والتي قد تتحول إلى حرب كبيرة في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
أكثر من ذلك، أظهر الاستطلاع تحوّلاً تنازلياً في دعم الأمريكيين لإرسال قوات أمريكية للدفاع عن إسرائيل منذ الحرب في غزة - على الرغم من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان هذا الانخفاض مرتبطاً بشكل محدد بالصراع الذي بدأ بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.
واللافت أن هذه النتائج تتوافق أيضاً مع استطلاعات أخرى، أوضحت أن الرأي العام الأمريكي يبدو أنه يتجه نحو التراجع عن دعم إسرائيل في ظل الحرب على غزة، التي أسفرت عن مقتل 39,653 فلسطينياً، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.
الجدير بالذكر أن الاستطلاع كان أُجري عبر الإنترنت من 21 يونيو/ حزيران إلى 1 يوليو/ تموز الماضيين، أي قبل عمليتي اغتيال القائدين إسماعيل هنية وفـ.ـؤاد شكر (وما تبعهما من تهديد إيراني لاحق)، وقد شمل عينة وطنية مكونة من 1,056 من البالغين الأمريكيين، مع هامش خطأ قدره زائد أو ناقص 3.2 نقطة مئوية. أما سحب العينة فجرى من خلال KnowledgePanel التابعة لشركة Ipsos، وهي لجنة مسح مستمرة تم تعيينها بهدف أخذ عينات عشوائية من الأسر الأمريكية...
كيف كانت نسبة تأييد الأمريكيين لفكرة الدفاع عن إسرائيل في السنوات الماضية؟
علمياً، تؤكد الأرقام ابتعاد الشعب الأمريكي شيئاً فشيئاً عن الكيان الغاصب. إذ إن نسبة الأمريكيين الذين يؤيدون إرسال قوات أمريكية للدفاع عن إسرائيل إذا هاجمها جيرانها والتي بلغت (41%) تعد الأدنى منذ أن بدأ مجلس شيكاغو بطرح السؤال في عام 2010. في ذلك العام، قال 47% من الأمريكيين إنهم يؤيدون إرسال قوات أمريكية. وفي عام 2012 أيدها 49%، وفي 2014 انخفضت إلى 45%. لكن في الأعوام 2015 و2018 و2021، ارتفعت النسبة مجددا لتصل إلى 53% من الأمريكيين الذين دعموا مثل هذه الخطة.
وفي السياق ذاته، أظهر استطلاع مؤسسة غالوب الذي نُشر في مارس الماضي، أن معظم الأمريكيين كانوا غير راضين عن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في غزة، حيث عارضها 55%، في حين أبدى 36% موافقتهم عليها. وكانت استطلاعات غالوب التي أُجريت في نهاية العام الماضي، كشفت ايضا عن دعم 50% من الأمريكيين لأعمال الجيش الإسرائيلي في غزة.
هذا، ويعدّ استخدام القوات الأمريكية على الأرض للدفاع عن إسرائيل ضد خصومها، موضوعاً حساساً بالنسبة للجمهور الأمريكي. فعندما قامت الولايات المتحدة ببناء رصيف قبالة ساحل قطاع غزة في محاولة غير ناجحة إلى حد كبير لزيادة وصول المساعدات إلى القطاع المحاصر، حاولت إدارة بايدن تبديد هواجس مواطنيها بالقول إنه "لن تكون هناك أي قوات أمريكية على الأرض في غزة كجزء من العملية."
في المحصلة، على الرغم من أن إسرائيل والولايات المتحدة غالباً ما تصفان نفسيهما بأنهما أقرب حليف وأعز صديق لبعضهما البعض، إلا أن البلدين ليس لديهما اتفاق رسمي يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل، أو العكس. ومع ذلك، فإن حجم النفوذ الصهيوني في هذا البلد، وقوة تأثيره على السياسة الداخلية الأمريكية يجعل الكيان الغاصب، لاعبا رئيسيا في جميع الاستحقاقات الأمريكية، وهذا بدوره يدفع بمعظم المسؤولين والقيادات في واشنطن، إلى التنافس والاستماتة لإظهار دعمهم لإسرائيل، بخلاف رأي الناخبين الأمريكيين الذين يتصاعد نفورهم من تل أبيب يوماً بعد يوم.