طارق ترشيشي- خاصّ الأفضل نيوز
قبل أن تطأ قدما وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أرض لبنان عاجله نضيره الأميركي أنتوني بلينكن باتصال زوده فيه "تعليمات" الإدارة الأميركية وتوجهاتها ومواقفها إزاء ما يحصل في بلد الأرز والعدوان الإسرائيليّ عليه، وذلك بعد أيام من اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ب85 قنبلة أميركية الصنع وخارقة للتحصينات ألقتها طائرات "اف 35" الأميركية الصنع أيضاً على المكان الحصين الذي كان مجتمعا فيه مع بعض أركانه.
وقضت التعليمات حسبما ظهر على لسان الوزير الفرنسي بأن لا يخرج عن النص المعتمد غربيًّا عمومًا وأميركيًّا خصوصًا في إدارة الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية وهدفها القاضي بالقضاء على حزب الله والمقاومة التي يقود وتهدد أمن إسرائيل ووجودها بالتوازي مع الحرب الدائرة في قطاع غزة والهادفة أيضاً إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية التي تهدد أمن الكيان الإسرائيليّ المحتل لفلسطين منذ العام 1947.
وبدا من خلال محادثات بارو أن مهمته المركزية بدل من أن تكون العمل على وقف العدوان الإسرائيليّ على لبنان اقتصرت على نقل رسائل تهديد وتحذير من المخطط الذي أعدته إسرائيل وبادرت الخطوات الأولى منه لاجتياح بري للبنان أقله لمنطقة جنوب الليطاني لفرض تنفيذ القرار الدولي 1701 بالقوة وبشروط إسرائيل التي لم تلتزمه منذ صدوره وهي التي خرقته نحو 35 ألف مرة حتى الثامن من تشرين الأول الماضي حيث بدأ حزب الله حرب الإسناد لغزة في مواجهة الحرب التدميرية التي شنتها عليه غداة عملية طوفان "طوفان الأقصى" التي كسرت شوكتها وهمشت هيبتها وأفقدتها قوة الردع التي تتباهى بها.
في حين أن مهمة بارو كان ينبغي أن تركز على تنفيذ النداء الدولي الأميركي ـ الغربي والعربي لوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي 1701 والذي أعلن لبنان التزامه به في نيويورك كما في بيروت حسبما صرح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الأمر الذي لم يحصل إذ في الوقت الذي كان بارو يجول على المسؤولين ويركز على "ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية والعمل على وقف المواجهات المسلحة" وكأن الحرب الجارية هي بين "جماعات مسلحة"، كانت اسرائيل تواصل عدوانها وتقصف الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت غير آبهة بالحراك الفرنسي وغيره، في الوقت الذي يعرف الجميع أن لا أحد قادر على وقف الحرب إلا الولايات المتحدة الأميركية التي ما إن تصرح بشيء طابعه إيجابي أو يبعث على التفاؤل بإمكان توقف الحرب حتى تقوم إسرائيل بعكسه، فالرئيس الأميركي جو بايدن أعلن مساء الأحد أنه سيتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتيناهو للحؤول دون انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة تعارضها واشنطن، لكن لم يسجل أي تحرك أميركي عملي في هذا الاتجاه وكأن بايدن يواجه صعوبة في "العثور" على نتيناهو ليقنعه بوقف حربه التدميرية وهو الأمر الذي لا يصدقه أحد، إلا إذا كان نتنياهو فعلًا عصي على الأميركيين وفاتح على حسابه، أو أنه هو الذي يدير السياسة الأميركية ويرسم خططها ومعاركها في الشرق الأوسط!
غير أن خلفية زيارة بارو وهدفها الحقيقي ظهرت في "فلتات لسان" مصدر ديبلوماسي فرنسي الهوية على الأرجح، كشفت في الوقت نفسه مضمون اتصال بلينكن ببارو قبل وصوله إلى بيروت وهو محاولة خطف الاستحقاق الرئاسي وفرض رئيس من كنف المحور الأميركي في موازة الحرب الهادفة اغلى تقويض حزب الله وحلفائه ومنعهم من التمسك بمرشحهم وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو من يشبهه بالمواصفات إذا اضطروا أو أرغموا على استبداله.
فقد روج هذا المصدر الديبلوماسي الفرنسي الهوية على الأرجح دبلوماسي عبر قناة "إل بي سي آي" أن "مساعٍ فرنسية وقطرية مشتركة بدعم أميركي لخفض التصعيد تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وتنطلق من فكرة أن أي فرصة لدفع المجتمع الدولي لوقف الحرب تتطلب إرادة داخلية."
واعتبر المصدر أن "انتخاب رئيس هو المدخل لتطبيق القرار 1701 ووقف الحرب." وأشار إلى أن "هذه المساعي بدأت بزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى بيروت، والاتصالات التي أجراها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون، وقد تستكمل هذه المساعي بزيارة مبعوث قطري إلى بيروت في الأيام المقبلة."
وشدد على أن "الحركة الداخلية يجب مراقبتها عن كثب لأن هذه المرة جدية وقد تتحول إلى فرصة حقيقية لتمرير الاستحقاق الرئاسي."وقال إن "فرنسا وقطر تقودان الحركة من خلف الكواليس، وهناك تشجيع أميركي لهما لإتمام ذلك بسرعة."
وغالب الظن لدى أوساط سياسية مطلعة أن الأنظار بدأت تتجه إلى قائد الجيش العماد جوزف عون لانتخابه "رئيساً توافقياً" بموجب هذا السيناريو الذي تحدث عنه المصدر الديبلوماسي إياه، خصوصًا وأن عون يتم إشراكه في كل اللقاءات التي تعقد داخليًّا فيما يحرص كل الموفدين الذين يزورون لبنان على الاجتماع به ولو تحت عنوان تقديم الدعم للجيش في ظل الظروف الصعبة التي بمر بها وتفرض عليه مسؤوليات جسام على مستوى ضبط الأمن.
أحد السياسيين يعلق لـ "الأفضل نيوز" على ما يجري وعلى سيناريو المصدر الديبلوماسي فيقول: إذا كان المراد انتخاب قائد الجيش أو أي مرشح آخر غير فرنجية رئيسًا للجمهورية، هل يحتاج الأمر لتجريد هذه الحرب الإسرائيلية التدميرية على لبنان؟" ويضيف: طالما أن لبنان أعلن على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التزامه مضمون النداء الدولي الأخير فينبغي على مطلقي هذا النداء وعلى رأسهم الأميركيين والفرنسيين والقطريين أن يلجموا إسرائيل ويوقفوا حربها ليتم تنفيذ مسعاهم الهادف لانتخاب رئيس الجمهورية إذا كان ذلك ينهي الأزمة ويؤمن السبيل لتنفيذ القرار 1701.