رائد المصري - خاص الأفضل نيوز
التزمت كل من إيران وإسرائيل بإنهاء الضربات المتبادلة بينهما، ليُعاد رفع الستار عن المسرح السياسي لمفاوضات التسوية الكبرى، التي ينتظرها الجميع في المنطقة ومنهم اللبنانيون، حيث المتغيرات باتت سريعة في الإقليم، واعتماد طهران استراتيجيتها الجديدة بالتراجع التكتيكي إلى الخلف بما يُعد خطوة إلى الأمام، فيما ينتظر العالم المبادرة أو القبول الإسرائيلي بعد زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، لرفع المقترحات التفاوضية حول لبنان، بالتزامن مع الاجتماع الأمني المعقود في الدوحة، بحضور رئيس المخابرات الإسرائيلي وما يتعلق بملفي تبادل الأسرى وحرب غزة.
لبنانياً، بعد حبس الأنفاس، إثر الردّ الإسرائيلي على إيران، تلمَّست بعض الأوساط السياسية ارتياحًا مما حصل، خصوصاً أنه جاء في إطار الاحتواء الأميركي لموجة التصعيد بين طهران وتل أبيب، وتجنُّب تدهور المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة، ولذلك تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، من باب سياق الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليصبَّ تحركه في مصلحة مرشحة حزبه كامالا هاريس، إذ لا ترغب الإدارة الأميركية اليوم بأحداثٍ خارجة عن المألوف، تُربك واشنطن وتضعف حظوظ هاريس، فملفات بلينكن تحمل صفقة في غزة وتوسيع للاتفاقيات الإبراهيمية، بعد إنجاز الرد الإسرائيلي على إيران، ليبقى لبنان وملف الحرب عليه بانتظار ما ستسفر عنه لقاءات هوكشتاين.
المبعوث الأميركيّ آموس هوكشتاين وصل إلى تل أبيب، يحمل بنود التّفاهم حول آلية تطبيق قرار مجلس الأمن الدّوليّ 1701، حيث يسود التّرقّب لما سيعلنه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عن مبادرة وقف إطلاق النّار مع لبنان، بالتّوازي مع مقترحٍ مصريٍّ لعمليّة تبادلٍ محدودة للأسرى، مقابل هدنة أسابيع في قطاع غزّة، بعد أن أعطت زيارة وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن للمنطقة دفعاً للمفاوضات، حيث بدأ التحرك القطري والمصري والفرنسي سريعاً وعلى أكثر من إتّجاه.
لكن كل ذلك معقود على أمل بأن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران يوحي، بأنه أطلق صفّارة النّهاية للحرب في المنطقة، ومما يدل على ذلك أن الكلام عن قرب إنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، يعود إلى الضغوط الأميركية بعدم الذهاب بعيداً في العمليات الجوية، بعدما حقَّقت الضربات الكبيرة والمتتالية أهدافها، في القضاء على القيادة السياسية والعسكرية للحزب بحسب وجهة نظرهم، إضافة للغارات المستمرة في مختلف المناطق بحجة ضرب مخازن الصواريخ والسلاح والذخيرة، والقضاء على البنية العسكرية للحزب، لكن ما هو خفي كان أعظم، إذ أن الخسائر الفادحة التي مُني بها العدو الإسرائيلي في المعارك الحدودية مع المقاومة، دفعته للعودة بأخذ النصائح الأميركية على محمل الجد، وعدم الدخول عميقاً بالحرب البرية، لأن كلفتها وخسائرها كبيرة، وهو تلقَّى وَجبات كبيرة منها منذ أيام، ووفق هذا الإطار، تطرق اجتماع الدوحة على مستوى رئيسي المخابرات الأميركية والإسرائيلية (الموساد)، مع رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في نقاشهم عن الجبهة اللبنانية، بعد أن أطلع المسؤول القطري المجتمعين، على أن لبنان مع فصل الجبهات وتطبيق الـ 1701، وبناءً عليه، يتوجه اليوم موفد قطري إلى بيروت، حاملاً ما وصلت إليه المحادثات من توجهات.
كان سبق ذلك مع وصول هوكشتاين إلى تل أبيب، اجتماع الكابينت الإسرائيلي للبحث في الحرب على الجبهة اللبنانية، وإحتمالات التسوية، بما يؤدي إلى إنهاء الحرب خلال أسبوع أو أكثر، ليُستدل من ذلك بما كشفه قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال في كلامه بأن "المهم التأكد من أن حزب الله لم يعد يشكل تهديداً، وبأن الوضع سيبقى على حاله مع زيادة وتيرة القتال على الجبهتين اللبنانية وقطاع غزّة لحين إنجاز الاستحقاق الرئاسي الأميركي، وتشكّل الإدارة التي ستحكم إلى جانب الرئيس المنتخب"، وهذا ما يكشف كذلك توجهات الحزبين المتنافسين أمريكياً، والتي يبدو أن فوز ترامب بالانتخابات سيخدم المخطط الإسرائيلي الشامل والذي أعدّه رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريق عمله.
فخريطة الطريق التي طرحها الرئيس نبيه بري مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، هي التي ستكون على طاولة المفاوضات في تل أبيب خلال الزيارة الحالية، تعتمد إعادة ترتيب القرار الدولي 1701 والالتزام بتطبيقه بكل مندرجاته، لجهة تعزيز الجيش اللبناني جنوب الليطاني، وحصر وجود السلاح بالسلطة الشرعية وقوات اليونيفل، حيث أن مقررات مؤتمر باريس الأخير بتخصيص ٢٠٠ مليون دولار للجيش، تساعد على تسريع خطوات تطويع ثلاثة آلاف جندي فوراً في المرحلة الأولى، وتأمين السلاح المناسب لمهمات المنطقة الحدودية، وهو ما يساعد على تسهيل عودة أهالي القرى الحدودية إلى مناطقهم، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار، عبر المساعدات بمجرد انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي، وتشكيل الحكومة.
أخيراً، يبدو وقف إطلاق النار قد يتم في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية، تجاوباً من نتنياهو ومن باب التقدير للدعم غير المسبوق للكيان الإسرائيلي أمريكياً منذ بدء حرب غزة، فيما يجهد نتنياهو في توثيق ضربته بالرد على إيران بالاستناد على الدعم الأميركي الذي حظي به، لتسويق شروطه الجديدة، ليُضمنها داخل مندرجات أي اتفاق يتم التوصل إليه لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وسط المساعي الديبلوماسية والجهود العربية والدولية وما يقوم به هوكشتاين، وهي شروط تتجاوز مندرجات الـ 1701 الذي يتمسك لبنان بتنفيذها، فإذا تجاوب الأميركي مع شروط نتنياهو، يعني إطالة أمد الحرب بسبب اعتراض لبنان ورفضه لهذه الشروط، وهو ما يعني استمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلى بعد موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، فالفرصة الوحيدة المتبقية تبقى بنجاح هوكشتاين بتلطيف هذه الشروط ليتم قبولها لبنانياً، فهناك انتظار لزيارة هوكشتاين إلى تل أبيب وبيروت، ليتبيّن ما الذي تم الاتفاق عليه، كذلك ما تم بين الوزير بلينكن مع نظيره البريطاني وغيره من مسؤولين عرب وأجانب، وآلية التحرك الجديدة وطبيعتها وما تتضمنه، في حين تبدو خسائر العدو في الجنود والآليات مؤخراً، والكلام الإسرائيلي عن ما سمُّوه بالأيام السوداء في الشمال، وتلاها كلام رئيس أركان جيش الاحتلال هاليفي عن قرب انتهاء العملية البرية، والكلام الأميركي الأخير، كل ذلك يوحي بحصول مقاربات سياسية ودبلوماسية جديدة لوقف الحرب في غزة وتالياً في لبنان، ومؤشراً على احتمال أن يكون هناك شيء جديد ما سيتبيّن في ضوء ما سيحمله هوكشتاين ويتقرر بناء عليه مسار الأيام أو الأسابيع المقبلة.