عماد مرمل - خاص الأفضل نيوز
فقط في لبنان، تبدو البديهيات مجرد وجهة نظر، وتصبح الثوابت التي على أساسها تُبنى الأوطان متحركة.
هنا، لا يوجد تعريف واحد للسيادة بل لكلِّ طرف مقاربته الخاصة لها وما يعتبره البعض انتهاكًا للسيادة يجده البعض الآخر سمنًا وعسلًا.
وهنا، لا يوجد تعريف واحد للعدو الذي تختلف هويته بين مكوّن لبناني وآخر تبعًا لاختلاف الثقافات والحسابات.
ولا يوجد تعريف واحد للصديق الذي قد يكون كذلك بالنسبة إلى فئة من اللبنانيبن فيما ترى فيه فئة أخرى خصمًا شرسًا.
وضمن السياق نفسه، لا يوجد تعريف واحد للانتصار والانكسار كما تبين مرة أخرى بعد انتهاء العدوان الإسرائيليّ الأخير على لبنان واندلاع "نيران" سجال متكرر حول من ربح ومن خسر.
وهذا الأمر ليس جديدًا في التقاليد اللبنانية، إذ سبق أن انقسمت القوى الداخلية بعد حرب عام 2006 حول قراءة نتيجتها، حيث أعلن حزب الله عن انتصاره فيما أنكر خصومه ذلك على رغم من أن الكيان الإسرائيليّ نفسه أقر بإخفاقه وشكّل لجنة فينوغراد للتحقيق في أسباب الإخفاق.
وقبل ذلك، هناك من رفض اعتبار الانسحاب الاحتلال الإسرائيليّ من لبنان عام 2000 انتصارًا للمقاومة معتبرًا أن الانسحاب حصل ربطًا بحسابات ومصالح إسرائيلية وليس تحت ضغط مسار طويل من العمليات المتراكمة.
واليوم، يعيد التاريخ نفسه ويتجدد الخلاف الداخلي حول مفهومي النصر والهزيمة، وسط إصرار من قبل خصوم حزب الله على الترويج بأنه هُزم وبأن الكيان الإسرائيليّ انتصر فيما تؤكد الأوساط القريبة من الحزب بأن العكس هو الصحيح وذلك استنادًا إلى العوامل الآتية:
_ أن حزب الله ككل تعرض إلى محاولة اغتيال لشطبه من المعادلة عبر العدوان الواسع، وبالتالي فإن مجرد صموده وبقائه على قيد المقاومة بعد ضربتي البيجر واللاسلكي واستشهاد أمينه العام وقادة أساسيين له، هو إنجاز يعادل الإعجاز.
_ أن الحزب انتصر بمجرد أن استطاع إجبار قيادة الاحتلال على تخفيض سقف طموحاتها إلى حدود تطبيق القرار 1701 في جنوبي الليطاني، ومنعها من تحقيق أهدافها الأساسية. (تغيير وجه الشرق الأوسط والوضع السياسي في لبنان وفرض عودة المستوطنين إلى الشمال بالقوة ونزع سلاح المقاومة كما صرح وزير الحرب نفسه وسط دهشة رئيس الأركان)
_ أن شريك نتنياهو في الحكومة اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وصف اتفاق وقف إطلاق النار بأنه خطأ تاريخي، كذلك ارتفعت أصوات من داخل صفوف المعارضة الإسرائيلية تهاجم الاتفاق فيما بثت القناة 13 الإسرائيلية استطلاع رأي أظهر أن 60.8% من المستطلعة آراؤهم اعتبروا أن إسرائيل لم تحقق النصر على حزب الله، فيما يعتقد 25.8% فقط أن إسرائيل انتصرت، و13.4% غير متأكدين.
_ أن الحزب تمكن من صد الهجوم الإسرائيلي لاحتلال كامل المنطقة الممتدة من الحدود حتى نهر الليطاني، واستطرادًا فإن العدو لم ينجح في تسييل تفوقه الجوي إلى إنجاز برِّيٍّ وازن يسمح له بأن يفرض شروطه الأصلية على الدولة والمقاومة، ومن المعروف أن الأرض وحدها هي التي تحسم مسار الحروب ونتائجها.