طارق ترشيشي-خاصّ الأفضل نيوز
يبدو أن الحرب الإسرائيلية على لبنان لم تنته بعد وهي قد لا تنتهي في أمد قريب؛ فإسرائيل المتكئة على "الضمانات الأميركية" لم تلتزم اتفاق وقف إطلاق النار مذ كان، وهي تخرقه يوميا منذ التوصل إليه قبل أكثر من شهرين، وتعمل ميدانياً على تحقيق ما عجزت عنه في مواجهة رجال المقاومة تحت جنح التزام المقاومة الاتفاق وترك الأمر للدولة وللراعيين- الأميركي والفرنسي اللذين لم يرعيا حتى الآن إلا استمرار الخروقات الإسرائيلية على مدار الساعة لهذا الاتفاق.
والتقديرات السائدة في مختلف الأوساط السياسية تقول إن الخرق الإسرائيلي لوقف النار سيستمر حتى ولو انسحبت إسرائيل كليا من الجنوب من دون البقاء في التلال الخمس المَحكي عنها، وحتى لو انسحبت من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أيضا، لأن القرار الإسرائيلي ـ الأميركي بالقضاء على حزب الله لم تستكمل تل أبيب تنفيذه بعد، ويساعدها على المضي فيه هو سقوط النظام السوري والشعور بأن نفوذ إيران ومحور المقاومة في لبنان والمنطقة قد تراجع إلى حد الانعدام، ولذلك لا أميركا ولا غيرها سيردعها عن الاستمرار في الإغارة على حزب الله أينما كان من الآن إلى أمد غير معلوم في المديين المنظور والمقبل، وصولا إلى مهاجمة إيران، وما حصولها على الدفعة الجديدة من القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات من طراز "إم كي 84" التي تزن كل منها ألف كيلوغرام من المواد المتفجرة إلا لهذا الغرض، وهي تذكر بالدفعة التي كانت حصلت عليها في خلال آب وأيلول الماضيين واغتالت بها الأمينين العامين لحزب الله السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في الخريف الماضي (وسيشيعان في 23 من شباط الجاري).
ومن المتوقع أن تستخدم إسرائيل هذه القنابل في لبنان مجددا لاستهداف مواقع عسكرية محصنة تعتقد أن حزب الله ما يزال يحتفظ بها وترى فيها خطرا عليها.علما أن احتلالها لأراض سورية جديدة جعلها على مقربة جغرافية من دمشق ومن منطقة البقاع والهدف منه إستخدام هذه الأراضي رأس جسر لهجوم بري على حزب الله في منطقة البقاع بطولها وعرضها لأن هذه المنطقة تشكل الخلفية الجغرافية الاستراتيجية للحزب، وكذلك رأس جسر للانقضاض على دمشق والداخل السوري، إذ إن تل أبيب لديها شكوك بإمكان استقرار سلطة سورية جديدة تعقد معاهدة سلام معها، كما تخشى في الوقت نفسه احتمال دخول سوريا في مرحلة من عدم الاستقرار قد تنتهي بقيام سلطة تعيد لدمشق موقعها القومي في النزاع العربي الإسرائيلي ولا يمكنها السكوت على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الجديدة والقديمة في الجنوب السوري سواء شمال منطقة فصل القوات في الجولان واحتلال أعلى القمم في جبل الشيخ أو القبول باستمرار احتلال هضبة الجولان نفسها التي ضمتها إسرائيل إليها أيام ولاية ترامب الأولى والذي أيد هذا الضم بلا تردد.
ولعل ما يستدعي التوقف عنده هو ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إثر عودته من زيارته الأخيرة لواشنطن واجتماعاته فيها مع الرئيس دونالد ترامب والمسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية وبقية المؤسسات الأميركية الكبرى صاحبة القرار في كل شؤون المنطقة والعالم، إذ قال إن النتائج التي حققها في هذه الزيارة "ستغير وجه إسرائيل ووجه الشرق الأوسط" الذي كان توعد بتغييره عندما أعلن حربه التدميرية على قطاع غزة، ثم على لبنان، وبداية هذا التغيير الذي سيعمل عليه بالتكاتف والتحالف مع ترامب يبدو أنه سيبدأ بتهجير فلسطينيي قطاع غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن ثم إلحاق عرب الجليل بتهجيرهم إلى لبنان. وكانت مفاجأة نتنياهو الكبرى تحديه المملكة العربية السعودية التي يسعى بكل ما أوتي من دعم أميركي وغربي إلى تطبيع العلاقات معها، وذلك عندما دعاها إلى توطين فلسطينيي الضفة والقطاع على أراضيها الواسعة، والسبب أنها رفضت هذا التهجير الفلسطيني وتمسكت بـ"حل الدولتين" وأن تكون للفلسطينيين دولة عاصمتها القدس الشرقية، فهو يريد أن يقدم لصديقه ترامب تاجر العقارات والخبير في التطوير العقاري إغراء عقاريا يتمثل بقطاع غزة ليقيم عليه مشروع "ريفيرا الشرق الأوسط" السياحي على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط- هذا البحر الذي يختزن في أعماقه كميات هائلة من النفط والغاز من مضيق جبل طارق غربا إلى بحر إيجه التركي شمالا مرورا ببحور المغرب وليبيا والجزائر وتونس ومصر وفلسطين المحتلة ولبنان وقبرص وسوريا وصولا إلى تركيا وقبرص واليونان وغيرها. وعندها يصبح مشروع حفر "قناة بن غوريون"، أو الأصح "قناة نتنياهو" (الطامح إلى أن يكون بن غوريون الجديد في تاريخ إسرائيل) التي تمتد من شمال قطاع غزة نزولا حتى خليج إيلات (أم الرشراش) قابلا للتنفيذ وخلال مهلة أقصاها ثلاث سنوات كما هو مخطط لها في إطار مشروع "الخط الهندي"، وهذا سيحصل إن تمكنت واشنطن وتل ابيب من إسقاط كل منطقة الشرق الأوسط في قبضتيهما وقوضتا إيران وأوقفتا صعودها النووي.
وهذه التطورات تعكس كليا الانطباع السائد عن أن ترامب لا يريد شن حرب على إيران وأنه يغلب الخيار الديبلوماسي على الخيار العسكري، وقد باشر التحضير لتفاوض قريب وربما مباشر معها يريده أن ينتهي سريعا في موازاة سعيه إلى وقف الحرب الروسية ـ الأوكرانية متكلا على "صداقته" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و"تأثيره الكبير" على الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي. وخلافا لكل ذلك "لن تسلم الجرة هذه المرة" لأن المخطط لإيران هو تقويضها وإغراقها في مشكلات داخلية معقدة وهذا سيكون بين ضربة عسكرية توجه لمنشأتها النووية والاستراتيجية وبين إحداث قلاقل داخلية فيها ربما يراد منها تهديد النظام ومحاولة إسقاطه إذا استطاع الأميركيون إلى ذلك سبيلا، وقد نجحوا في فترات سابقة بإحداث بعض من هذه القلاقل ولكن طهران تمكنت من استيعابها.
وفي غضون ذلك ستواصل تل أبيب هجماتها على حزب الله شمال الليطاني حتى ولو انسحبت من جنوبه، كذلك لن تتورع عن مهاجمة اليمن وكل جهة تنتمي إلى محور المقاومة في المنطقة، ولن يكون مستبعدا أبدا استئناف الحرب على قطاع غزة بعد إنجاز صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين، وكذلك تصعيد الحرب القائمة حاليا على فلسطينيي الضفة الهادفة إلى تهجيرهم لتوسيع مساحة إسرائيل الذي وعد به ترامب وقد باشر به بمجرد أن طلب من الأردن ومصر "إيواء" فلسطينيي غزة بذريعة أن بيوتهم مدمرة بالقنابل الأميركية التي سها عن أن واشنطن زودت إسرائيل بها غداة عملية "طوفان الاقصى" في 7 تشرين الأول 2023.
فكذبا تدعي إسرائيل أنها تريد البقاء في خمس تلال حاكمة لمنطقة جنوب الليطاني وشمال فلسطين المحتلة لهدف حماية أمن عودة مستوطنيها إلى المستعمرات الشمالية، فهي تدرك أنه مجرد أن تطلق المقاومة صاروخا أو طائرة مسيرة من شمال الليطاني أو من أي بقعة على أرض لبنان أو خارجه في اتجاه هذه المستعمرات أو أي مكان في فلسطين المتحلة هو كفيل بتهديد أمنها وأمن مستوطنيها، ولذلك هي تتذرع بذلك للمضي في مشروعها الاحتلالي الذي لا حدود له في المدى المنظور، إلى أن يُعرف ما سيوؤل إليه مشروع "صفقة القرن" الذي يعمل ترامب على استكمال تنفيذه في ولايته الجديدة تحت أسماء مستعارة أو مموهة هذه المرة حتى ولو تطلب الأمر منه أن يضحي بحلفاء له لأن طباع الأميركي هي كطباع العقرب الذي لا أمان له.