كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
صفع "حزبُ اللَّه" وحلفاؤه في "محورِ المقاومةِ" العدوَّ الإسرائيليَّ والإدارة الأميركيّة، في إقامة المأتم وتشييع أمينيه العامين القائدين الشَّهيدين السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، وفي الحشد السّياسيِّ والشَّعبيّ، الذي أتى من غالبية دول العالم فتمثَّلوا بأحرارها ومناضليها، وداعمي القضية الفلسطينية التي من أجلها سقط شهداء المقاومةِ في لبنان على طريق القدس في إسناد غزّة.
فيوم ٢٣ شباط، كان محطّة في تاريخ لبنان والمقاومة، فلم يشهد مأتم حضور نحو مليون ونصف مليون مواطن، لبلد عدد سكانه نحو خمسة ملايين، فاعتبر التشييع من أبرز ما جرى على مدى عقود، وهو وازى مآتم كبار القادة في العالم على قياس عدد السكان، فنجح "حزبُ اللَّه" في أن يكرِّم اثنين من قادته البارزين، بعد الحرب الإسرائيلية المدمّرة عليه، والتي امتدت لشهرين منذ ٢٧ أيلول ٢٠٢٤، وهو اليوم الذي استشهد فيه السَّيد نصر اللَّه بقصف طائرات العدوِّ الإسرائيليِّ لمكان وجود السَّيد نصر اللَّه بحوالي ٨٣ طنًّا من القذائف، بعد أن أعطى رئيس حكومة العدوِّ بنيامين نتنياهو قرار الاغتيال والحرب الواسعة على "حزبِ اللّه" للقضاء على قيادته ومسؤوليه وتدمير سلاحه.
فهدف العدو تحقَّق في اغتيال السيد نصر اللَّه، وبعده بأيَّام السيد صفي الدين الذي. عيِّن مكانه كأمين عام للحزب الذي تمكَّن وبعد عشرة أيام على تنظيم صفوفه وانتخاب الشيخ نعيم قاسم أمينًا عامًّا له، وحل البدائل مكان الأصيلين في مسؤولياتهم، في ترتيب داخلي كان "حزبُ اللَّه" قد قام به، لاستمرار القيادة والسيطرة، وهو ما تركه يواصل القتال ضدَّ الاحتلالِ الإسرائيليِّ في الحافة الأمامية عند الحدودِ في الجنوبِ مع فلسطين المحتلّة، ولم يترك للجيش الإسرائيليِّ أن يحقق أهدافه بالاحتلال على مدى شهرين من الحرب التي كانت مختلفة عن حروب إسرائيلية أخرى شنَّت على لبنان في فترات عدّة، باستخدام التكنولوجيا الذكية.
ففي الميدان العسكري صمدت المقاومة، ووافقت على وقف إطلاق النار، بعد أن رأت بأن استمرار الحرب لم يعد له ضرورة، مع تغيّر قواعد الاشتباك، وارتباك "وحدة الساحات" التي ساندت المقاومة لكنها لم تبدل في المعادلة العسكرية، التي لم يتمكن العدوُّ الإسرائيليُّ أن يكسبها، إذ استمرت صواريخ المقاومةِ في لبنان تتساقط على تل أبيب ومحيطها كما على شمال فلسطين المحتلّة، وتأثرت المؤسسة العسكرية بهذه الحرب، فدفعت بخمسة ألوية إلى "الجبهة الشمالية" مع لبنان، مع استمرار المستوطنين خارج منازلهم فيها.
فمع وقف إطلاق النار، قرر العدوُّ الإسرائيليُّ وأميركا، أن يستثمروا ما حقَّقوه في الميدان العسكري، وأن "حزب اللَّه" هُزم ومعه انتهى "محور المقاومةِ" مع سقوط النِّظام السُّوري، فلا بدَّ من أن يدفع "حزبُ اللَّه" ثمنًا بالسِّياسة، بإخراجه من المعادلة الداخلية، وتركيبة السلطة، وبأنه لم يعد مؤثرًا في انتخابات رئاسة الجمهوريّة، فطلبت الإدارة الأميركية إقصاء "حزبِ اللّه" من السلطة، وهو ما عبَّرت عنه الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، في القصر الجمهوري.
لكن ما أرادته أميركا لم يحصل، لأن أصوات النواب للثنائي "حركة أمل" و"حزب اللَّه"، ساعدت العماد جوزاف عون في الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة، كما أن الحكومة برئاسة نواف سلام لم تتشكَّل إلَّا بتمثيل "حزب اللَّه" فيها بالتضامن مع "حركة أمل" التي نالت وزارة المال بتوزير ياسين جابر، لكن ما لم يحصل عليه "الثُّنائي الشِّيعي" الثُّلث الضّامن بإبعاد "التَّيار الوطنيّ الحرّ" و"تيَّار المردة" من الحكومة، فخسر "حزب اللَّه" حليفين كان يمكن أن يشكل معهما هذا الثُّلث.
وجاء الحشد المليوني في المأتم، ليؤكد بأن "حزب اللَّه" موجود سياسيًّا، وخاضنته الشَّعبية زادت التفافها حوله ومستمرّة على نهج المقاومة، فكان التَّشييع زلزالًا شعبيًّا توقَّف عنده الداخل اللبنانيّ والخارج، فلم تنفع التَّهديدات الأميركيّة والتي أعلن عنها عضو الكونغرس الأميركي جو ويلسون، بأنَّ كل من يشارك في المأتم هو مع "حزب اللَّه" وسيتعرَّض لعقوبات، ولم تُخفِ الغاراتُ الإسرائيليّة المواطنين وتمنعهم من الوصول إلى المدينة الرِّياضية ومحيطها.