محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
حين اجتمع مجلس الوزراء لمناقشة بند حصر السلاح بيد الدولة، كان واضحاً أنّ النقاش يدور بين خيارين متناقضين، إمّا رفض الدخول في أيّ بحث سيادي قبل انسحاب إسرائيل الكامل والتزامها بوقف إطلاق النار وفق ما أقرّته الحكومة اللبنانية نفسها، وإمّا تبنّي ورقة الموفد الأميركي توم باراك بحرفيّتها، بكل ما تحمله من مهلٍ ضيّقة وشروطٍ تنفيذية شبه مستحيلة.
الحكومة اختارت ما يشبه "المنطقة الرمادية"، فهي لم ترفض النقاش بشكل قاطع، لكنها أيضاً لم تسلم بالكامل للورقة الأميركية، والنتيجة كانت تكليف الجيش إعداد خطّة لحصر السلاح على أن تُعرض لاحقاً على الحكومة، أي فتح الباب نظرياً من دون الدخول في مواجهة سياسية مباشرة الآن أو التورّط في التزامات صلبة، تفجر الحكومة من داخلها، وتفجر الشارع اللبناني معها. كل ذلك قابل للتبدل.
تخفيف الضغط من دون التفجير
هذا القرار، بمرونته المقصودة، منح الحكومة متنفساً سياسياً أمام الضغط الأميركي المتصاعد، الذي يتقاطع مع ضغوط اقتصادية واضحة تهدد أي محاولة للنهوض المالي. في الوقت نفسه، شكّل إشارة إلى الخارج بأنّ الدولة اللبنانية تتحرّك ضمن "أجندة إصلاحية" ولو بحدّها الأدنى، ما قد يجنّبها تصعيداً ميدانياً إسرائيلياً أو سياسياً في المرحلة القريبة، بمعنى أن الدولة تسعى لتحييد منشآتها ومقارها وجسورها عن أي تصعيد إسرائيلي محتمل، وهذا قد ينجح وقد لا ينجح، علماً أن الأميركيين نقلوا تهديدات إسرائيلية مباشرة للدولة حول هذه النقطة بالتحديد.
لكن هذا "النجاح الجزئي" جاء على حساب الوضوح، فالجيش سيضع خطّة قد لا ترضي الوزراء الأكثر تشدّداً علماً أن رئيس الجمهورية أشار إلى شبه استحالة التنفيذ خلال مهلة نهاية العام، والقرار نفسه ترك أسئلة مفتوحة حول الآلية والزمن وإمكانية التنفيذ الفعلي.
التنفيذ: أسئلة بلا إجابات
أولى المعضلات التي ستواجه أي خطّة تتعلق بتحديد الأولويات: أي سلاح أولاً؟ هل يبدأ الملف بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟ أم بالسلاح الذي ينتشر في كل المناطق اللبنانية وبيد مختلف القوى والأحزاب السياسية؟ أم أنّ الأنظار موجّهة حصراً نحو حزب الله، وهو أصلاً أعلن بوضوح رفض تسليم سلاحه في الظروف الحالية، رابطاً ذلك بالتهديد الإسرائيلي المستمر وبالمعادلة الدفاعية التي يعتبرها ركيزة حماية لبنان؟
من الناحية التقنية، حتى لو وُجد اتفاق سياسي على نزع سلاح المخيمات الفلسطينية، فإن قدرة الدولة على فرض ذلك عملياً محدودة، نظراً للتعقيدات الأمنية والاجتماعية المحيطة بالمخيمات.
أما الحديث عن نزع سلاح حزب الله في ظل التوتر الحدودي المستمر، فيبقى نظرياً تماماً، ويدخل في إطار الصراع الإقليمي لا في إطار قرار وزاري محلي، إلا في حال قرر أحد ما وضع الجيش بمواجهة المقاومة مع ما يعني ذلك من تعريض وحدة الجيش للخطر. ربما يكون هذا أحد أهداف أصحاب المشروع التفتيتي والتقسيمي في المنطقة.
بين الرمزية والسياسة الواقعية
يمكن القول إنّ الحكومة نجحت في إخراج نفسها من لحظة ضاغطة كان يمكن أن تضعها أمام خيارين متناقضين وخطرين:
رفض كامل لأي نقاش قد يثير نقمة خارجية ويعزّز العزلة الاقتصادية، أو قبول كامل بورقة خارجية قد يشعل أزمة سياسية داخلية غير محسوبة النتائج.
لكن هذا "النجاح" ليس إنجازاً استراتيجياً بعد، فالقرار فضفاض، مؤجّل التنفيذ، ومشروط بتوافق داخلي لم يتوافر بعد، ويتخطى أمرًا أساسيًّا لا يمكن تخطيه وهو وجود الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه اليومي على اللبنانيين، وهذا لا يمكن اعتباره تفصيلاً بسيطاً في ظل المشهد القائم.