ممتاز سليمان - خاصّ الأفضل نيوز
لا شكَّ بأنَّ إنشاءَ المجلسِ الدستوريِّ كان من أهمِّ الإصلاحاتِ الدستورية التي نصَّت عليها وثيقةُ الوفاق الوطنيِّ ودستور الطائف حيث نصت المادةُ 19 منه على ما يلي "ينشأ في مجلسٍ دستوريٍّ لمراقبةٍ دستورية القوانين، والبتِّ في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات النيابية والرئاسية".
يمكن تعريفُ المجلسِ الدستوريِّ بأنه هيئةٌ دستوريةٌ مستقلةٌ ذاتُ صفةٍ قضائيةٍ أنشئت بموجب القانون 250 /1995.
من أهمِّ الأسبابِ الموجبةِ لإنشاء المجالس الدستورية في العالم هي الرقابةُ على عمل السلطة التشريعيةِ صيانة وحماية للحريات العامة والحقوق الجوهرية للأفراد، للحدِّ من انحراف التشريع في التضييق على الحرياتِ العامة.
ولدت تجربة المجالس الدستورية أساساً في كنف الديمقراطيات الغربية في أوروبا وأمريكا ، وجاءت نتيجةَ تراكمٍ ونضالٍ مجتمعيٍّ في تحصين المؤسسات والدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن، حيث تمخضت عن نموذجين من نماذج الرقابة الدستورية، الأول الرقابةُ القضائيةُ المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تتيح للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها مراقبةَ مدى دستوريةِ القوانين سواء تلك الصادرة في الولايات أو على مستوى الإتحاد الفدرالي.
الثاني كما في فرنسا، حيث تمَّ اعتماد الرقابة السياسية على القوانين والتي أنيطت بمجلس يتألف من أعضاء حكميين بقوة القانون مثل رؤساء الجمهورية السابقين للإستفادة من تجربتهم وخبراتهم السياسية، ومن أعضاء يتمُّ تعيينهم من طرف رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ لمدة 9 سنوات.
في لبنان يتألف المجلسُ الدستوريُّ من عشرة أعضاء يُعيَّنُ نصفهم من قبل مجلس النواب والنصفُ الآخر من مجلس الوزراء ،لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، ويتمُّ انتقاؤهم عادةً من بين القضاة المتقاعدين الذين أمضوا سنين طويلةً في السلك القضائيِّ أو أساتذة الجامعات الذين لهم باعٌ طويل في تدريس القانون.
لا يعود لأي شخص كان مراجعة المجلس الدستوريِّ لأنَّ القانون قد حصرَ حقَّ المراجعة أمامه بجهاتٍ محددةٍ هي : رئيس الجمهورية ، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، وعشرة نواب على الأقل.
بعد مُضيِّ حوالي الثلاثة عقود على إنشائه تبدو تجربة المجلس الدستوريِّ اللبنانيِّ خجولةً وملتبسةً ودون الآمال، سيما في ظلِّ الحديث الدائم عن تعرضه لضغوطاتٍ سياسية، فضلاً عن أنَّ تعيين أعضائه يتمُّ من قبل السلطة السياسية الحاكمة، إنطلاقا من خلفيات طائفية ومذهبية،
وما يعززُ هذا الحديثَ هو بعضُ المحطات الملتسبة في مسيرته من تعطيلٍ متعمَّدٍ لنصاب الإجتماع ، إلى بدعة اللاقرار وغيرها.
عقبَ الإنتخابات النيابية في العام 2018، ردَّ المجلسُ الدستوريُّ جميع الطعون المقدمة أمامه بالرغم مما شاب تلك الإنتخابات من مخالفاتٍ جمة في ظلِّ القانون الإنتخابيِّ الهجين والمعقدِ إلى حدٍّ بعيد.
منذ أيامٍ ردَّ المجلسُ عدةَ طعون في الدفعة الأولى من القرارات التي أصدرها في المراجعات المقدمة أمامه، بانتظار إصدار باقي القرارات في سائر الطعون.
في النهاية إنَّ تجاربَ المؤسسات الدستورية لا يمكن استنساخها أو إسقاطها على الأنظمة، بل إنَّ وجودَها وتطورَها هو نتيجة تراكم وتضافرِ جهودٍ ونضالاتِ مجتمعاتٍ ترنو نحو الديمقراطية والحرية التي تعتبرُ أغلى وأسمى ما في الوجود