سمير رباح - خاص الأفضل نيوز
وأخيرًا حصلَ ما كان متوقَّعًا وتولّى الجنرال فراغَ الرّئاسة الأولى خلفًا للجنرال الرئيس ميشال عون.
وهذا الفراغُ اعتادَ عليه اللبنانيُّون، وكاد أن يصبحَ عُرفًا من الأعراف التي تمّ اعتمادها رغمَ تعارضها مع الدستور. فالعماد ميشال عون جاء إلى الرّئاسة الأولى بعد سنتين ونصف السَّنة من الفراغ، وغادرها على فراغٍ لا نعرف مداه ولا نتائجه. والعماد ميشال سليمان جاء إلى الرّئاسة بعد فراغ استمرَّ عدة أشهر.. والعماد إميل لحود غادرَ الكرسيّ على فراغٍ طويلٍ انتهى بتسويةٍ جاءت بالعماد سليمان رئيسًا. وفي العام ١٩٨٨ غادر الرّئيسُ أمين الجميِّل قصرَ بعبدا على فراغٍ أحدثَ انشقاقًا كبيرًا وازماتٍ عميقةً في الواقع اللُّبنانيّ، وربما كانت في جذور ما نعاني منه اليوم..
فراغٌ في رئاسة الجمهورية، وفراغٌ في رئاسة الحكومة، حيث حكم العهد القويِّ نصف ولايته مع رئيس حكومةٍ مكلَّف أو رئيسِ حكومة تصريف الأعمال.
في الدُّول الدّيمقراطية تنطلق حركةٌ سياسيةٌ قويةٌ لانتخاب رئيسٍ جديد قبل نهاية ولاية الرئيس الحاليِّ في الشهر نفسه أو بسنواتٍ، امّا عندنا فقد بدأت المهلُ الدّستوريّة، وانتهت هذه المهلُ، وكذلك انتهت ولاية الرئيس، ولم نرَ حركةً سياسيةً تذكر لانتخاب رئيسٍ جديدٍ، فقط هي حركةٌ باردةٌ باهتةٌ خجولةٌ شهدتها بعض الأروقة السّياسيّة دون آتٍ تفضي إلى شيء.
لقد تحرك مجلس النواب تحت ضغط المهل الدّستوريّة والقانون. وقد عُقد حتى الآن أربع جلساتٍ دون أن تفضيَ إلى شيءٍ أيضًا، وجلسات جاءت الواحدة صورةً طبق الأصل عن الأخرى، وامتازت بعدة أمورٍ منها التعطيلُ الذي استُعمِلت فيه أسلحةٌ عديدةٌ منها: تهريبُ النّصاب القانونيّ، والاحترام بالأوراق البيضاء، واستعمال ما يُعرف بكلمة السّر. وبدا أنّ مهندسًا بارعًا خطط لهذه الجلسات لتنتهي كما انتهت إليه.
ما السبب في كلّ ذلك؟.
يقول أحد المحلّلين: "إنَّ لغة التوافق بين اللبنانيّين قد تعطلت، وهي اللّغة التي جعلها شعارًا لحكمهم الذي لا يستقيم بدونها، ما يفقِد مجلسَ النواب أيّ توازنٍ سياسيٍّ يفضي إلى التوافق على رئيسٌ جديد.
وإذا كان انتخاب رئيسٍ جديد للبنان يتأثرُ بالجوازات الدّوليّة والإسلامية، فإنّ هذه التوازنات مختلفةٌ اليوم؛ ما يجعل الاتفاقَ على رئيس لبنانيٍّ جديدٍ أمرًا متعذّرًا. لذلك، فإننا لم نرَ حالة ترشيحاتٍ واسعةٍ للرئاسة في لبنان، حتى أنَّ أيًّا من الأطراف الدّولية والإقليمية المؤثرة في السّاحة اللبنانية لم يتحدّث عن أيّ مرشحٍ له أو مؤيَّدٍ حتى الآن.
وحدها فرنسا من بين الدّول الكبرى تحدّثت عن مواصفاتِ الرّئيس اللُّبنانيّ العتيد، لا عن اسمه، وذلك عبر وزيرة خارجيّتها كاترين كولونا التي قامت بزيارة خاطفةٍ إلى لبنان استمرت يومًا واحدًا، التقت خلالها الرّؤساء الثلاثة، ودعتهم إلى انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية؛ لأنّ لبنان لا يتحمّلُ خطر الفراغ في الرئاسة الأولى. وقالت كولونا في ختام زيارتها: "لا نريد رئيسًا استفزازيًّا للبنان، ويجب ألّا يكون رئيسَ تحدٍّ وغيرَ حزبيٍّ ومستقبلًا، ويجب أن بكون مقبولًا عربيًّا ودوليًّا، وقادرًا على التفاوض مع كل الأطراف السّياسيّين".
قالت كولونا كلمة فرنسا ومشت، لكنّها تركت خلفها الأسئلةَ الكبيرة وغير الكبيرة، وتركت للمعنيّين بالسّاحة اللُّبنانيّة ليحلوا هذا اللُّغز ويختاروا رئيسًا ترضى عنه فرنسا وحلفاؤها من الدول الكبرى. هذه الدول التي لمّحت مرارًا إلى الرّئيس اللّبنانيّ المقبول دوليًا. فهل يكون الرّئيسُ الجديدُ جنرالًا يأتي بعد ثلاثة جنرالاتٍ حكموا لبنانَ على التوالي؟!.