يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
تُطلُّ علينا الذكرى التاسعةُ والسبعون لاستقلال لبنان في ظلِّ أزمة فقدان ثقةٍ بين الدولة والمواطنين، وبعد ضائقةٍ معيشيةٍ خانقة ،قضت على الطبقةِ الوسطى ووضعت أكثر من ثمانين بالمئة من الشعب اللبنانيِّ تحت خطِّ الفقر، وأزمة سياسية تمثلت بشغور السلطة التنفيذية وشللها التَّامِّ بسبب عدم قدرة اللبنانيين على انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتشكيل حكومةٍ ضمن المُهلِ الدستورية ودون أيِّ تدخل أجنبيّ.
وإذا كان استقلالُ بلدٍ من البلدان يعني أول ما يعني إدارة شؤون هذا البلد بحرية وسيادة، ودون أيِّ تدخُّلٍ أو تأثير خارجيّ، فإنَّ احتفالنا بعيد الاستقلال يفقدُ معناه هذه السنة كما في كلِّ سنة منذ العام 1943 لأن كثيراً من اللبنانيين ينتظرون إشاراتٍ خارجيةً من أجل حسم خياراتهم وتحديدِ مواقفهم في اختيار رئيسٍ لهم وتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحدياتِ ومعالجة الأزمات.
ويبقى السؤالُ الأهمّ : هل يستطيعُ لبنان حقاً أن يكون بحجمه وإمكاناته مستقلاً ؟
وفي نظرةٍ واقعيةٍ للأحداث ومن منطلق عربيٍّ وحدويٍّ ناصريّ، نقول ونجزم بأنَّ أيَّ بلدٍ عربيٍّ لا يمكن أن يكون مستقلاً وقادراً وقوياً بذاته مهما كبرَ هذا البلد أو صغرَ ومهما زاد غناه أو زاد فقره، لأن أطماعَ قوى الاحتلال والاستعمار تجدُ في ضعفنا المناخَ الملائمَ والتربةَ الخصبةَ لزرع الشقاقِ وتنمية الخلافات وخلق الأزمات بين سائر الأقاليم العربية. ونحن الناصريين الذين كنا ولا زلنا ننادي بالسيادة القومية، أي سيادة الأمة العربية على كامل التراب العربيّ، والذين حلمنا طويلاً بالتكامل الاقتصاديِّ العربيِّ والمشاريع العربية التنموية المشتركة، لا نرى مانعاً ولا حرجاً من أيِّ تأثير خارجيٍّ عربيٍّ يخدمُ المشروع العربيَّ النهضويَّ المشترك، إذا ما وجد مثل هذا المشروع طبعاً ، منطلقين من الدستور اللبنانيِّ أولاَ، والذي ينصُّ صراحةً بأنَّ ( لبنان عربيُّ الهوية والانتماء)، وليس ذا وجه عربيٍّ كما كان الحال قبل اتفاق الطائف عام 1989، ومنطلقين أيضاً من كون اتفاق الطائف وما رافقه من جهودٍ عربية حثيثة هو من أخرج لبنان من الحرب الأهلية وأوقف نزف الدماء ورمَّمَ جسورَ التلاقي بين أبناء المجتمع اللبناني الواحد، وأعاد بناء الدولة كبديل عن الميليشيات المتناحرة على أرض الوطن.
فلا غضاضةَ في أن يتدخلَ العرب لإنقاذ لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية لأن لبنان عربيُّ ولأن العربَ لا يمثلون قوى احتلال تطمع بأدوار لها على حساب مصالح البلاد العليا، ولكنَّ العيبَ كلَّ العيب والعارَ كلَّ العارِ أن يستجدي فريق من الفرقاء عطفَ السفارة الفرنسية أو الأمريكية أو سواهما، ويرتهن لأي منهما ويرهن معه البلاد لحقبة طويلة من الزمن مصادراً بذلك حقَّ اللبنانيين في تقرير مصيرهم، كما حدث في العام 1982 تماماَ حين استقوى فريقٌ بالعدو الصهيونيِّ لكي يصل إلى سدَّة الرئاسة الأولى.
ولعلَّ أجملَ عبارة قالها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم في احتفال المقاصد : (إنَّ لبنان يفتقرُ في هذه المرحلة إلى رجال دولة كالرئيس فؤاد شهاب والرئيس الشهيد رشيد كرامي)، فإننا نرى من واجبنا الوطنيِّ أن نضيئ على هذه العبارة رغم أن بلادنا لم تعقم ولم تبلغ سن اليأس، ولا تزال قادرةً على إنجاب الرجال الذين ينقذون الوطنَ والدولة من السقوط في المتاهات، ورغم وجود الكثيرين من رجالات السياسة الوطنيين الصادقين المغمورين لأن النظامَ السياسيَّ الطائفيَّ يطمس جهودهم ومحاولاتهم في عملية البناء والإنماء والتطوير والتغيير، وانطلاقاً من هذا الواقع وإيماناً بقدرة اللبنانيين التي تتجلى في بلاد الاغتراب في شتى المجالات، يكبر أملنا وتزدادُ ثقتنا بأنَّ اللبنانيين سيتعلمون من تجاربهم المريرة، وسينبذون النظامَ الطائفيَّ معاً ويبنون الدولة المدنية معاً، ويتطلعون إلى غدٍ أفضل تأمن فيه الأجيال من خوف ومن جوع، و يكون فيه الاستقلال ناجزاً بحقٍّ في مواجهة أطماع الاحتلال والاستعمار، وليس في مواجهة غيرة الأمة العربية على أبناء الأقاليم والأمصار.