محمد نجم الدين - خاصّ الأفضل نيوز
تكادُ المدارسُ تترنحُ بين الاستمرار والإقفال أو المسير الأعرج بسبب السياسة التي يدفعُ ثمنها اللبنانيون في كلِّ أمورهم الحياتية ٠
والمتفقُ عليه والمؤكد بحكم تجارب الدول أنَّ سقوط الدولة يبقى غير مكتمل العناصر طالما التربيةُ بخير ولنا في التجربة اليابانية بعد أن دمرتها القنايل الأمريكية الذرية في أول استخدام لها في الحرب العالمية الثانية وأدت إلى هزيمة اليابان واستسلامها ٠حينها عقدت القيادة اليابانية اجتماعًا بدعوة من الاميراطور لبحث تداعيات الهزيمة والتخطيط لإعادة الدور للدولة وبنائها ،فأشار عليه قادة الجيش البدء بإعادة بناء القوة العسكرية ،ودار نقاش عميق إلى أن اقترح أحد القادة من غير العسكريين أن تكون البداية من التربية فوافق الأمبراطور فوراً ومعه أكثرية الحضور إنطلاقا من قناعتهم أنَّ الإنسان وليد التربية وهي التي ترسِّخ القيمَ وحبَّ الوطن والتضحية لأجله ورفع شأنه ٠
وهكذا كان ،واستطاعت اليابان بسنوات قليلة أن تستعيدَ حضورها الفاعل على الساحة الدولية وكلنا نشهد الاختراعات والاكتشافات المذهلة حتى أصبح مصطلح كوكب اليابان هو الأكثر استخداما للدلالة على عظمة هذه الدولة ٠
أما عندنا فالتربيةُ تأتي في أسفل سلم اهتمام الدولة على كلِّ الأصعدة بدءًا من الفلسفة التربوية التائهة بين الانتماءات المتعددة للمواطنين طائفيًّا ومذهبيًّا وتاريخيًّا ،فلا اتفاق على محطات التاريخ وعلى رجالاتها لجهة تصنيفهم في خانة الوطنيين أو المرتهنين للخارج أو على صعيد جمود المناهج والطلاق بين قواعدها وبين واقعها ،وصولاً إلى تهميش المعلمين الذين هم الركن الأساس في مثلث العملية التربوية (الأهل والتلميذ والمعلم )٠
فالأهل باتوا ينظرون إلى المعلم نظرة دونية إذ إنه بنظرهم لا يعدو كونه عاملًا يتقاضى أجره وهو أصبح من الشرائح الأكثر فقرًا دون اعتبار لدوره وأهميته في التربية ،والتلميذ يتعامل مع المعلم وفقًا لرؤية أهله في ظلِّ غياب الضوابط، وإن وجدت فصعوبة الالتزام بها يجعلها حبرا على ورق .
أما المعلم الذي يحمل صبره ويمضغه كلَّ يوم ومع كلِّ درس على وقع الانهيار في القيم وتهميش الدولة له وعدم الالتفات إلى حاجاته الأساسية في حياة كريمة واكتفاء يقيه العوز والذل وطرق أبواب بيوت التلاميذ لإعطاء درس خاصٍّ في مناخ يجعله بائعًا متجولًا يستجدي الناس لشراء بضاعته ٠
أمام كلِّ تلك المأساة لا مناصَ من إعادة الاعتبار للتربية بدءًا من تعزيز كرامة المعلم في عيشه الكريم من الدولة الراعية للتربية والتعليم ،ورفع تسلط الأهل عليه لدى قيامه بأيِّ عمل تفرضه عملية الضبط في الصف أو خارجه وقد تزعج ابنهم المدلل ،وعندها يصبح هدفًا لتفريغ الغضب وتبرير تقصيرهم وتقصير أبنائهم.
عبثا نبني وطناً أو مجتمعاً والتربية ليست أولوية فيهما ٠