طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
لم تخترع المعارضة البارود في مبادرتها ـ الاقتراحين في شأن الاستحقاق الرئاسي لأنها جاءت تكرارًا ممجوجًا لمسلسل مواقفها من هذا الاستحقاق وكل المبادرات التي طرحت في شأنه حتى الآن. وبالتالي قد لا تجد هذه المبادرة آذانًا صاغية لأنها لم تلاق الفريق الآخر إلى منتصف الطريق، وإنما تصر على الدفع في اتجاه الإتيان برئيس من كنفها تحت مسمى "الرئيس السيادي" الذي هو في رأي الفريق الآخر "الرئيس الذي لا طعم له ولا لون".
فيما يشدّد هذا الفريق على جلوس الجميع إلى طاولة حوار يفترض أن تفضي إلى توافق على انتخاب رئيس يتمتع بتأييد الجميع بما يمكنه من النجاح في عهده.
ويرى بعض الأوساط أن مبادرة المعارضة في شأن الاستحقاق الرئاسي هي محاولة جديدة للاستمرار في إمرار الوقت الضائع في انتظار تبلور التسوية الإقليمية والتي يفترض أن يكون منطلقها وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وجنوب لبنان، وهذه المرة طُلِبَ على ما يبدو من نواب المعارضة أن يبادروا هم في شأن الاستحقاق الرئاسي بعدما استنفدت المبادرات السابقة ووصلت إلى طريق مسدود ليس لأنها غير نافعة، وإنما لأن الحل لأزمة لبنان لم يحن بعد، مع أن ما تضمنته المبادرة يمكن البناء عليه لتكوين توافق بين الأفرقاء اللبنانيين من شأنه أن يؤدي رويدًا رويدًا، إذا انفرجت الأوضاع الإقليمية والدولية، إلى اتفاق على انتخاب رئيس جديد.
وحسب بعض الأوساط المعنية فإن مبادرة نواب المعارضة حيكت بتنسيق مسبق مع سفراء المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية ودل إلى ذلك مسارعة وفد من هؤلاء النواب بعد الإعلان عنها إلى الاجتماع مع السفراء الخمسة في مقر السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر لإطلاعهم على مضمونها وخطة التحرك التي قرروها في اتجاه الكتل النيابية والسياسية لتسويقها.
ومن المؤكد أن السفراء الخمسة أيّدوا الاقتراح الثاني من المبادرة لتجنب صدام سياسي ودستوري مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري حيث أن الاقتراح الأول من شأنه أن يحدث مثل هذا الصدام لأنه لا يقر بصلاحية بري في دعوة المجلس إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، حيث يقول بتداعي النواب من تلقائهم إلى التلاقي في مقر المجلس النيابي والتشاور في شأن الاستحقاق الرئاسي حتى إذا اتفقوا على رئيس الجمهورية يجتمعون بعد 48 ساعة في جلسة لينتخبوا خلالها الرئيس الذي يتفقون عليه، أو ينتخبوا بالتنافس أحد مرشحين اثنين أو أكثر إذا تعذر توافقهم على مرشح محدد.
وفي اعتراف بعض النواب أن المعارضة في مبادرتها هذه ينطبق عليها التعليق الذي نسب إلى رئيس المجلس النيابي على مبادرتها والمتمثل بمقولة "تمخض الجبل فولد فأراً" لأن هذه المبادرة لم تحمل جديدًا وإنما كانت إعادة صياغة لمواقف المعارضة المعروفة من كل المبادرات الرئاسية والحوارية التي طرحت في شأن الاستحقاق الرئاسي والتي تتصدرها ولا تزال المبادرة التي طرحها بري منذ الأيام الأولى للاستحقاق وتلتها مبادرات كثيرة لكتل ونواب ودول وذهبت كلها هباء منثورا نتيجة انعدام التوافق على أي منها بين الأفرقاء المعنيين. بل إن البعض يحمل فريق المعارضة المسؤولية عن فشل كل المبادرات نظرًا لرفضه المتمادي لدعوة بري إلى هذا الحوار وترؤسه له وإدارته، وذلك لاعتقاد هذا الفريق أن الحوار يراد منه إيصال رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية كون ترشيحه يحظى بدعم "الثنائي الشيعي" وحلفائه وقد يحظى مع تطور الموقف في اللحظة الحاسمة بدعم كتل نيابية أخرى منها كتلة "اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط وكتلة "لبنان القوي" برئاسة النائب جبران باسيل حتى لو ظل الأخير على رفضه لفرنجية.
على أن اللافت كان ما ذهب إليه النائب ميشال ضاهر في تعليقه على مبادرة نواب المعارضة، من دعوة النواب إلى استقالة جماعية في أيلول المقبل إذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية قبل ذلك التاريخ. ويقول أحد النواب: "نظريًّا ربما يمكن أن يكون الحل الأخذ باقتراح ضاهر بحيث يتم تقصير ولاية مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة نظرًا لعدم قدرة هذا المجلس حتى الآن على انتخاب رئيس. لكن واقعيًّا لا يمكن الذهاب إلى مثل هذه الانتخابات وخصوصًا في ظل الظروف الراهنة داخليًّا وفي المنطقة، مع العلم أن هذه الانتخابات حتى و لو أجريت فإنها ستعيد إنتاج التركيبة النيابية الحالية نفسها، الأمر الذي يبقي الأزمة حيث هي، فالمنطقة تعيش مرحلة "تغيير دول" بعد عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها ما يفرض على الجميع انتظار ما ستؤول إليه التسويات التي يحكى أن طبخها جارٍ على قدم وساق في المطابخ الديبلوماسية الإقليمية والدولية.
فمثلما يقال أن الحرب الروسية ـ الأوكرانية ستنتهي بقيام نظام دولي جديد ينهي نظام الأحادية القطبية الذي تستأثر به الولايات المتحدة الأميركية، فإن "طوفان الأقصى" بتفاعلاته سيؤدي إلى قيام نظام إقليمي جديد. مع العلم أن المشتغلين على هذين النظامين الدولي والإقليمي ينتظرون بفارغ الصبر، وأحيانًا على نار، النتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل أيفوز فيها الرئيس جو بايدن إذا لم يستبدله حزبه الديموقراطي بمرشح آخر، أم يفوز منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب إذا لم يستبدله حزبه الجمهوري بمرشح آخر؟
ولذلك فإنه أسوأ الاحتمالات إذا انقطعت سبل الحلول للاستحقاق الرئاسي سيكون أن تنتهي ولاية المجلس النيابي الحالي من دون أن ينتخب رئيس جمهورية، ليدور نقاش عندها بين التمديد له أو انتخاب مجلس جديد، على حد ما لمح إليه نائب رئيس المجلس الياس بوصعب في الآونة الأخيرة.