نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
كيف يمكن أن يكون المشهد اللّبناني بعد وقف النّار؟
للمرة الأولى يجري، على الأرض، اختبار معادلة توازن الرعب عند الخط الأزرق. لعل التوازن في الخراب، كرّس أكثر فأكثر تلك المعادلة، مع قول الخبراء أن من المبكر الاستنتاج من بين الجانبين أدار المعركة بصورة أفضل. الأهم إدارة ما بعد المعركة.
عادة في الحروب لا تعطى الأولوية إلى كمية الخراب، وإنما إلى النتائج السياسية، والمعنوية، للحروب.
ولقد قيّض للبنان، لأسباب مرئية ولامرئية، أن يكون مسرح الصراع بين محورين، وإن قيل أن الإيرانيين هم من يقيضون الثمن، إن على المستوى الجيوسياسي، أو على المستوى الجيوستراتيجي، بعدما ذهبوا بلغة القوة إلى حدودها القصوى، ما أثار الهلع لدى الولايات المتحدة من انفجار المنطقة، وانعكاس ذلك على مصالحها في ظل الاشتباك (والتشابك) الدولي الراهن.
هنا "كعب أخيل" الأميركي، وقد تعامل معه الإيرانيون بببراعة لافتة. قد يكون هذا الكلام عبثياً، أو ساذجاً، لأن كل شيء يرتبط بمسار السباق الجنوني إلى البيت الأبيض، مع التوقف هنا عند قول ديفيد أغناثيوس أن الولايات المتحدة تشهد، حالياً، تفاعلات بنيوية بالغة الخطورة، وإلى حد التساؤل ما إذا كان نظام الحزبين قد وصل إلى عنق الزجاجة، وباتت مهمته إنتاج الأزمات على أنواعها، ودون أن يكون هناك من تصور لـ"اليوم التالي"، كون التجربة الأميركية، بكل أثقالها وبكل أعبائها، العابرة للقارات، والعابرة للأمم، تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إجراء أي جراحة سياسية أو دستورية، إذ من يضمن ألاّ يكون البديل "ذلك الجحيم الذي قد ينتظرنا هناك"، على حد قول أغناثيوس.
زعيم جماعة "جي ـ ستريت" جيريمي بن عامي، وهو اللوبي المناوىء لـ"لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيليّة" (ايباك)، بنظرته المعارضة للسياسات الإسبارطية "العمياء" التي ينتهجها بنيامين نتنياهو، وثلة الذئاب التي تحيط به، يرى أن إسرائيل باتت نقطة الضعف الأميركية في الشرق الأوسط، داعياً إلى إلزامها بتطبيق القانون الدولي ما حمل السفير الأميركي السابق في إسرائيل ديفيد فرومان على وصف قادة تلك الجماعة بـ"مجموعة من المتعجرفين الداعين لتدمير إسرائيل".
هكذا بطولات غزة حولت الدولة العبرية من نقطة القوة إلى نقطة الضعف الأميركية. هذا ما حصل في ذروة الصراع الانتخابي، دون أن يمتلك كلا المرشحين أي تصور للطريقة التي يقتضي التعاطي بها مع تضاريس الشرق الأوسط.
إنها المشكلة التي لا تعني الأميركيين وحدهم. تعنينا جميعاً، واحداً واحداً ...
أما، وقد وضعنا كلبنانيين، أزمتنا، كما جرت العادة في كل أزماتنا، في مهب الرياح الإقليمية والدولية، كيف ستكون عليه الحلبة الداخلية في ضوء ذلك الواقع، دون أن يكون هناك من مجال لاعتبار ما حصل على امتداد الأشهر التسعة المنصرمة، حدثاً عابراً وتطويه الأيام مثلما طوت أحداثاً أخرى؟
أيها السادة، لقد حدث شيء ما على المستوى الاستراتيجي، ما يستدعي قدراً هائلاً من المسؤولية. مسؤولية القوى كافة، لا مسؤولية فئة دون أخرى، أو طائفة دون أخرى، أو حزباً دون آخر.
إذاً، نحن أمام إسرائيل الأخرى.
هل نكون أمام لبنان الآخر، مع توجس بعض القامات السياسية والروحية من أن يحاول "حزب الله" الاستخدام السياسي للواقع الذي أحدثته الحرب في الساحة الداخلية.
معلوماتنا تشير إلى أن الحزب يرى أن المرحلة المقبلة تستدعي التعامل معها بمنتهى الدقة، وبمنتهى المسؤولية.
لهذا يعتبر أن تمسكه بمواصفات معينة لرئيس الجمهورية العتيد أكثر من ضروري. ولكن لن يصل هذا الرئيس إلى قصر بعبدا بصاروخ "بركان" مثلاً، وإنما بالتفاهم مع القوى الأخرى، ما دمنا في بلد تحكمه كل تلك الحساسيات السياسية والطائفية العاصفة.
في اعتقادنا أن الحزب يرى لبنان أمام اختبارات وجودية إذ كيف للمؤسسة اليهودية أن تقف مكتوفة اليدين، وقد فوجئت، ليس فقط بالأداء السياسي، والعسكري، الهش للدولة العبرية، وإنما أيضاً بمدى التصدع السياسي، وحتى التصدع الايديولوجي، فيها، ما ينذر بحرب ما بين اليهود واليهود، على شاكلة الحرب التي حدثت لدى وفاة الملك سليمان عام 925 قبل الميلاد، وعلى عقود طويلة.
ولكن ألم نلاحظ أن بعض القوى اللبنانية سارعت إلى إقامة السواتر الترابية من الآن لقطع الطريق على أي حل، أو على أي تسوية، تنتشل البلاد من هذا القاع.
ليت العقل يحلّ محلّ الغريزة في أيامنا هذه، وهي... أيام المفترق!!

alafdal-news



