كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
لم يمضِ أسبوعان على الحرب الإسرائيليّة التّدميريّة التي يشنّها العدوُّ الإسرائيليُّ على لبنان، حتّى ارتفعت أصوات ومطالبات وجميعها من "الفريق السّيادي" كما يسمّي نفسه، وهو من تبقّى من قوى ١٤ آذار، تطالب "حزب الله" بإعلان الاستسلام، وتسليم سلاحه الذي لم يكن رادعًا كما يصفه هؤلاء، وآخرهم النائب الكتائبي نديم الجميل، الذي كان والده بشير شريكًا أساسيًّا في غزو العدوِّ الإسرائيليِّ للبنان، وساهم في انتخابه رئيسا للجمهورية، بعد انسحاب المقاومةِ الفلسطينيّةِ من لبنان بسلاحها في منتصف آب ١٩٨٢.
فالدعوة إلى اعتراف "حزب الله" بهزيمته، وهو ما يزال يقاتل في الميدان، إنّما تصدر عن أطراف لبنانية، لا تخفي دعوتها إلى "إقامة سلام" مع الكيان الصّهيونيِّ على غرار ما فعلته دول عربية أخرى، وتبريرهم لذلك، بأنَّ لبنان لم يعد يتحمَّل الحروب مع إسرائيل، وليس عليه وحده تقع قضيّة فلسطين، ولا بدَّ من الانضمام إلى الدول العربية التي تقيم اتفاقات سلام رعتها أميركا، ومنها منظّمة التّحرير الفلسطينيّة، أو تلك التي التحقت "باتفاق أبراهام"، الذي يكرّس الأخوة اليهودية - العربية، أو الإسلامية كما قال رئيس حكومة العدوِّ الإسرائيليِّ بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة، ودعا إلى قيام "شرق أوسط جديد" تسود فيه النعمة، بمواجهة مشروع الشر الذي تقوده إيران، فتلحق بالمنطقة الفقر والجهل والاستبداد والظلامية والتخلف.
ففي لبنان، يوجد هذا الطَّرح، الذي يدعو له فريق يتقدّمه حزب الكتائب التي كشفت الوثائق عن علاقة تاريخية تربطه بالكيان الصهيوني، وهو ما ظهر أثناء الحرب الأهلية (١٩٧٥ - ١٩٩٠)، حيث ما زال هذا الحزب وفريق حليف له، يدعون إلى الحياد وعدم "التّحرّش" بالعدوِّ الإسرائيليِّ، وأن لبنان نعم بالأمن والازدهار منذ توقيع "اتفاقية الهدنة عام ١٩٤٩، إلى أن ظهر الوجود الفلسطينيِّ المسلح في العام ١٩٦٨، وهو ما يجب على لبنان التقيد به، وتطبيق القرار ١٧٠١، الذي تضمن في نصه تنفيذ القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠، والهدف من ذلك إنهاء المقاومة في لبنان، واستعادة دور الدولة ومؤسساتها.
وأصحاب هذا الطّرح يخرجون عبر الإعلام ويصدرون المواقف، مطالبين "حزب الله" بوقف القتال وتسليم سلاحه، الذي لم يعد له مبرّر، وأنَّ مقولة "الجيش والشعب والمقاومةِ" سقطت ومعها أنَّ المقاومة تقيم توازن ردع ورعب، بعد أن دُمّر لبنان لا سيما في الجنوب والبقاعِ والضاحية الجنوبية ومناطق أخرى، للضغط على المقاومةِ لرفع الراية البيضاء وتسليم سلاحها.
ومن يصدح بهذه الشّعارات، وهم معروفون بارتباطاتهم مع أعداء لبنان، يحاولونَ نشر مناخ الهزيمة، مستغلين استشهاد الأمين العام لـ "حزبِ اللّه" السيد حسن نصر الله، وقادة آخرين من قادة المقاومةِ إضافة إلى التدمير العشوائي وكي تتحوّل "بيئة المقاومةِ"، ليست الشّيعية فقط، بل الوطنية، إلى المطالبة بوقف القتال، والخروج من الحرب بأقل الخسائر الممكنة، وهي الأقسى من بين الحروب السابقة ولا سيما في صيف ٢٠٠٦.
فمثل هذا السيناريو حاول فريق الهزيمة والاستسلام، وشعار "قوة لبنان في ضعفه" وأن "صداقاته الدوليّة تحميه"، العمل به في أثناء حرب ٢٠٠٦، وحاول إصدار قرار من مجلس الأمن الدّولي تحت الفصل السابع، وأن يعلن "حزب الله" تسليم سلاحه، وملاحقة أمينه العام السيد الشهيد نصر الله وأخوانه في الحزب، قضائيًّا ومحاكمته لأنه تسبب بتدمير لبنان وقتل شعبه، هذا السيناريو يعاد من جديد، ويطالب به الفريق نفسه، حزب الكتائب ووزراء آخرون كانوا في الحكومة التي كان يرأسها فؤاد السنيورة آنذاك لكن محاولاتهم باءت بالفشل، فلم تعلن المقاومة استسلامها، ولم يسلم "حزب الله" سلاحه، ويخرج أمينه العام السيد نصر الله، ليعلن الانتصار بعد ٣٣ يومًا من القتال لم يتمكن جيش الاحتلالِ الإسرائيليِّ من التقدم برًّا، بعد أن استنفد "بنك أهدافه" فلم يدمر صواريخ المقاومة التي ظلت تطلقها حتى قبل وقف إطلاق النار في ١٤ آب ٢٠٠٦.
فالمستعجلون بهزيمة "حزب الله" وتسليم سلاحه، لأنه لا يحمي لبنان، لا يقرّون بأنَّ المقاومة تنزل بالعدوِّ خسائر بشريّة ومادّيّة، وأنَّ بنك أهدافها فيه أرصدة، ستوجع العدوَّ الإسرائيليَّ ويصرخ، وأن هذه الحرب أفادت المقاومة بأنها تأكّدت من الصَّديق والعدوِّ.