نوال أبو حيدر - خاص الأفضل نيوز
منذ إقرار قانون الإيجارات غير السكنية عام 2023، ظلّ هذا القانون محور تجاذبات دستورية وقانونية حادّة، بين سلطات الدولة المختلفة، عاكساً أزمة عميقة في التفسير والتطبيق الدستوري. فبعدما ردّ المجلس الدستوري الطعن بالقانون في 22 تموز، علِق القانون مجددًا في مجلس النواب، الذي أقرّ اقتراح قانون لتعديله، ما يطرح تساؤلات حول مدى استقرار العملية التشريعية في ظل غياب التوافق على آلية دستورية واضحة لإقرار القوانين ونشرها.
وعلى الرغم من أهمية القانون في تنظيم العلاقة بين المالكين والمستأجرين، إلا أن استمرار الخلافات الدستورية يعكس هشاشة المنظومة التشريعية وتأثيرها المباشر على الاقتصاد الوطني. ويؤكد هذا الوضع ضرورة الحوار الجدي بين الأطراف المعنية لإيجاد حلول توازن بين حقوق الجميع وتحقيق الاستقرار القانوني المطلوب. فهل ستُنهِي هذه التعديلات الخلافات القانونية أم تفتح المجال لمزيد من النزاعات المستقبلية؟
ما هي التعديلات؟
أُدخلت تعديلات جديدة على قانون الإيجارات، كان أبرزها خفض بدل المثل من 8% إلى 5% من قيمة المأجور، إلى جانب رفع بدلات الإيجار بشكل تدريجي وفق تصنيف المستأجرين إلى أربع فئات، مع مراعاة الطبيعة السكنية والتجارية وظروف التعاقد.
فالفئة الأولى تشمل المستأجرين بعقود نظامية، وتم تمديد إيجاراتهم لمدة خمس سنوات، بينما تشمل الفئة الثانية من دفعوا ما يُعرف بـ"الخلو" قبل عام 2015، وتم تمديد عقودهم لست سنوات. وتُطبّق على هاتين الفئتين زيادات تدريجية على بدلات الإيجار تبدأ بـ30% من بدل المثل في السنة الأولى، ثم 40% في السنة الثانية، و50% في الثالثة، لتصل إلى بدل المثل كاملاً اعتبارًا من السنة الرابعة وحتى نهاية مدة التمديد.
أما الفئة الثالثة، فتضم المستأجرين الذين دفعوا "الخلو" بعد عام 2015، وتُمدَّد عقودهم لسبع سنوات. وتأتي الفئة الرابعة لتشمل حالات خاصة، مثل العقود المرتبطة بالحق العام (كمؤسسات الدولة)، والمهن الحرة المنظمة بقانون كالصيدلة، والمستأجرين لمأجور تتجاوز مساحته 500 متر مربع، إضافة إلى من تحمّلوا تكاليف الترميم والصيانة. وتمتد مهلة الإخلاء لهذه الفئة حتى ثماني سنوات.
وتُفرض على الفئتين الثالثة والرابعة زيادات تصاعدية على بدلات الإيجار تبدأ بـ30% في السنة الأولى، ثم 40% في الثانية، و50% في الثالثة، و60% في الرابعة، على أن يُعتمد بدل المثل كاملاً في السنوات اللاحقة.
كما نص التعديل على إلغاء الخيار السابق الممنوح للمالك بين المطالبة بالزيادات التدريجية أو تقليص مدة الإخلاء إلى سنتين، وذلك بهدف إفساح المجال أمام انتقال المستأجرين بهدوء إلى مأجور آخر.
رئيس نقابة المالكين: تعديلات الإيجارات اعتداء على حقوقنا
أمام كل تلك المعطيات
أبدى رئيس نقابة المالكين باتريك رزق الله، عبر موقع "الأفضل نيوز" "استياءه الشديد من إقرار مجلس النواب تعديلات على قانون الإيجارات غير السكنية، وذلك بعد أقلّ من شهرين على صدوره ونشره في الجريدة الرسميّة، معتبراً أن هذه التعديلات تشكّل انتكاسة قانونيّة واعتداءً موصوفاً على حقوق المالكين القدامى".
تعديل القانون.. يضرب التوازن بين المالك والمستأجر
وقال رزق الله: "في سابقة لا مثيل لها، يتمّ تعديل قانون لم يُمنح فرصة التطبيق، وبشكل منحاز بالكامل لصالح المستأجرين، فقد خُفّض بدل المثل من 8% إلى 5% من قيمة المأجور، ومدّدت الإيجارات حتى 8 سنوات، وأُلغيت مهلة السنتين التي كانت تُمنح للمالك لاسترجاع المأجور مقابل التنازل عن الزيادات. كل ذلك ضربٌ لتوازن كان بدأ يتحقق بصعوبة وبمسار طويل".
واستنكر رزق الله الأصوات التي "ما زالت تطالب بمزيد من المكتسبات للمستأجرين وكأنّ المالكين ليسوا طرفاً متضرراً منذ أكثر من أربعين عامًا"، مشدّداً على أنّه "من غير المقبول أن يبقى قطاع الإيجارات أسير المقاربات الشعبوية على حساب حقوق فئة كاملة من المواطنين المالكين الذين صبروا على الظلم والتجميد والاستملاك المقنّع لعقاراتهم".
تحرير الإيجارات مدخل لإنعاش الاقتصاد؟
وتابع رزق الله: "لقد جاء القانون الجديد بمهل زمنيّة تدريجيّة، وبآليّة واضحة تسمح للمستأجرين بتسوية أوضاعهم ضمن مهل محدّدة، ونظّم العلاقة للوصول إلى الحريّة التعاقديّة، وبالحدّ الأدنى من هذه الحقوق. وإنّ الإبقاء على الوضع السابق كان سيؤدّي إلى موت المدن اقتصادياً، لا إنقاذها".
واعتبر أنّ "تحرير الإيجارات واستعادة المالك حقّه، سيسهم في تنشيط السوق والاستثمارات، أما المستأجر الذي يدفع دولاراً ودولارين بدل إيجار شهريًّا، فهو ليس شريكاً في الاقتصاد، بل عائق أمام إعادة بنائه".
ثقة تحرك الاقتصاد
وأكّد أنّ "إعادة الثقة إلى قطاع الإيجارات هي جزء أساسي من إنقاذ الاقتصاد اللبناني، فالعقار غير المنتج هو خسارة مزدوجة للدولة وللمواطن، وكلّ تأخير في تحرير الإيجارات هو استمرار لحالة الركود والخسارة في سوق العقارات، ويمنع تطوير المدن وضخّ الاستثمارات، كما وأن دعم القانون الجديد هو خطوة نحو اقتصاد صحيّ وسليم، يحترم العقود، ويشجّع المستثمرين على العودة إلى السوق اللبنانيّة بثقة".
الحقوق أساس العدالة
وختم بالقول: "آن الأوان لرفع هذا الظلم التاريخي عن كاهل المالكين، وللخروج من عقليّة الدعم المقنّع عبر أملاك خاصة، فلا عدالة من دون توازن، ولا توازن من دون احترام حقوق جميع الأطراف، وفي طليعتها حقوق المالكين الذين تحمّلوا وحدهم كلفة عدم تصحيح الإيجارات ومصاردة الأملاك لعقود".